أخبار وطنيةسجالات

إصلاح جديد للتعليم بموريتانيا يرفع من قيمة اللغة العربية واللهجات الوطنية

عبَرت موريتانيا من جديد إلى الإصلاح السادس لمنظومتها التعليمية بعد أن أقر البرلمان في جلسة علنية القانون التوجيهي للتعليم، ليكون بذلك الإطار الجديد لـ”المدرسة الجمهورية” التي بشّر بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني خلال حملته الانتخابية قبيل تسلمه السلطة.

ويسعى القانون -الذي جاء نتيجة تشاور موسع نظمته وزارة التهذيب الموريتانية- إلى إقامة “نظام تربوي قادر على بناء شخصية الموريتاني المعتز بمقدساته وثوابته، المنفتح على العصر، والمدرك لقيمة التنوع الثقافي واللغوي لمكونات مجتمعه” وفق تعبير وزير التهذيب ومهندس هذا القانون ماء العينين ولد أييه.

وفي التفاصيل كان سؤال اللغة وإشكالات الهوية حاضرين بقوة في ثنايا القانون الذي أغضب الفرنكفونيين والقوى الحقوقية الزنجية من دون أن ينال كامل رضى العروبيين

أهم معالم القانون الجديد
توزع القانون الجديد على 90 مادة موزعة على 8 أبواب كبرى تضم عشرات الفصول والأقسام، وكان من أبرز المعالم المؤسسة لهذا الإصلاح:

اعتماد الإسلام مرجعية أساسية للنظام التعليمي في موريتانيا، بحيث “تتأسس المدرسة الموريتانية على قيم الإسلام السني المتسامح، والتلاحم والسلم الاجتماعيين، والإنصاف والتضامن، والوحدة الوطنية، والعدالة والديمقراطية”.

– اعتماد اللغة العربية لغة تدريس للمواد العلمية في المرحلة الابتدائية تمهيدا لتدريس هذه المواد لاحقا باللهجات المحلية، ويتم تعليمها لجميع الأطفال غير الناطقين بها بوصفها لغة تواصل وتدريس.

– تدريس اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثانية ابتدائية (التعليم الأساسي)، مع إمكانية تدريس بعض المواد العلمية بها.

– يتم إدخال تعليم اللغات الوطنية (البولارية، والسوننكية، والولفية) في النظام التربوي، بحيث يدرس كل طفل موريتاني المواد العلمية في المرحلة الابتدائية بلغته الأم، مع مراعاة السياقات المحلية والمحافظة على متطلبات اللحمة الاجتماعية

– إلزام كل طفل ناطق بالعربية كلغة أم أن يتعلم على الأقل إحدى اللغات الوطنية الثلاث الأخرى (البولارية، والسوننكية، والولفية)، على أن يتم اختيار هذه اللغة من السياق الاجتماعي والديمغرافي الجهوي.

أول قرار فعلي بالتعريب
ويرى مناصرو هذا القانون أنه يمثل أول قرار فعلي بالتعريب الشامل في المرحلة الابتدائية، حيث يمثل بالنسبة للموريتانيين انتقالا من مرحلة الفرنكفونية التعليمية التي فرضها ما سمي بإصلاح 1999، والذي قضى بتدريس كل المواد العلمية باللغة الفرنسية من الابتدائية وحتى الجامعة، وأدى هذا الإصلاح إلى تراكم وانهيار غير مسبوق للبنية التربوية والقدرات الذهنية للتلاميذ وهو ما تظهره نتائج الامتحانات الوطنية التي ظلت دائما تدور بين 7 إلى 20% لا أكثر.

وفي حين يرى خبراء تربويون أن هذا القانون امتاز بالشمول وأنه استطاع أن يستجيب لمطلب أغلبية الشعب الموريتاني التي تسعى وتنادي بالتعريب، يرى آخرون أن نصه على التدريس باللهجات المحلية يضيف إرباكا للمنظومة التربوية، خصوصا فيما يتعلق بتوفير الطاقم القادر على تدريسها، أو كتابتها بالحرف العربي أو اللاتيني.

قانون “خسيس”
وضمن إشكال اللغة، أثار القانون احتجاج حقوقيين وسياسيين زنوج، رأوا فيه إقصاء للفرنسية واللهجات الوطنية، فقد اعتبر حزب “التحالف من أجل العدالة والديمقراطية- حركة التجديد” الذي يقوده السياسي الزنجي “صار إبراهيما” أن القانون التوجيهي المصادق عليه من طرف البرلمان في 25 يوليو/تموز الجاري “يكرس اكتمال مسار تعريب موريتانيا، الذي بدأ منذ الاستقلال” وفق زعمه.

وربط الحزب بين التعريب والمظالم التاريخية التي واجهها الزنوج، معتبرا أن “التعريب الذي بدأ عام 1966 على خلفية عنف وقمع، ينتهي اليوم بذات العنف القمعي حتى داخل نطاق الجمعية الوطنية، أمام نواب مطيعين للأوامر، وكما فعلوا في عام 1993 بشأن العفو عن مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية خلال سنوات “الجمر”، فإنهم يصادقون الآن على قانون “خسيس” وفقا لبيان صدر عن الحزب.

الفرنسية.. جزء من ثقافتنا أم من معاناتنا؟
وكان وزير التهذيب الوطني ماء العينين ولد أييه قد رد على منتقدي حضور الفرنسية وبقائها في النظام التعليمي بأنها أصبحت جزءا من ثقافة البلد، معتبرا “أن الفرنسية استخدمت في موريتانيا لفترة طويلة في البلاد”، معللا بقاءها في التعليم بقوله “نظرا للصلات التي بيننا والدول الناطقة بها، ونظرا لاستخدامها كلغة تواصل بيننا وعديد الدول المجاورة”.

ويرى الوزير أن الميزة الممنوحة للغة الفرنسية في مشروع القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني بالإمكان أن تُتفهم في ظل الوضعية الجيوإستراتيجية للبلاد، ولكون الفرنسية لغة “حاضرة بقوة في اقتصادنا وحياتنا”.

وأثارت تصريحات الوزير غضب بعض البرلمانيين، كما أثارت غضبا على وسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبر النائب المعارض “محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل” أنها “تصريحات غير لائقة، لأن الفرنسية هي جزء من معاناتنا وآلامنا وتجهيلنا، وجزء من تاريخ استشهاد أجدادنا وأزمات شعبنا”.

واعتبر عدد من النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي أن جوهر تمسك القوى السياسية الزنجية باللغة الفرنسية يتأسس على القيمة التنافسية التي حققوها من خلال سيطرة الفرنسية طيلة 60 عاما من عمر الدولة الوطنية، حيث جعلتهم القوة العاملة الأكثر حضورا في الوظائف الوسطى وكذلك في الهيئات الدولية العاملة في موريتانيا، والعنصر الأكثر فعالية بين المهاجرين إلى الغرب، ويعني التعريب تضاؤل حصتهم المستقبلية نتيجة المنافسة، خصوصا أن الأقليات العربية في الجوار الأفريقي لموريتانيا تعيش خاضعة للاختيارات اللغوية للأغلبية، عكس الواقع في موريتانيا التي تعيش تحت رحمة ابتزاز لغوي، وفق قول هؤلاء النشطاء.

وبالإضافة إلى ذلك، يحمّل أغلبية الموريتانيين الفرنسية المسؤولية عن انهيار نظام التعليم وانتشار البطالة، في ظل إدارة مفرنسة بالكامل.

سادس الإصلاحات وأسئلة المستقبل
وقد اختبرت موريتانيا 5 “إصلاحات” تعليمية، وقد كان إشكال اللغة هو السؤال المركزي في كل تلك المشاريع التي باء أكثرها بالإخفاق والتعثر، وهذه الإصلاحات هي:

– إصلاح 1959 الذي جاء ليعدل النظام التربوي الذي فرضه الاستعمار الفرنسي، حيث ارتفع تدريس اللغة العربية إلى 10 ساعات من أصل 30 ساعة مقررة في المرحلة الابتدائية، مع بقاء المرحلة الإعدادية والثانوية مفرنسة بالكامل.

– إصلاح 1967، وجاء هذا الإصلاح عقب احتجاجات ومظاهرات دامية في العام 1966، فجرها التوجه نحو التعريب، وانتهى هذا الإصلاح إلى إقامة ازدواجية لغوية بين العربية والفرنسية، مع الالتزام بالمقررات المعتمدة في فرنسا، وإضافة سنة أولى إجبارية على الجميع في المرحلة الابتدائية، لتصبح 7 سنوات.

– إصلاح 1973، وكان هذا الإصلاح أول خطوة فعلية نحو التعريب، وجاء في ظروف شد وجذب سياسي وتوتر في العلاقة مع المستعمر السابق (فرنسا)، وقد احتلت اللغة العربية من هذا الإصلاح 120 ساعة من أصل 180 ساعة تدريس في المرحلة الابتدائية، في حين تقرر إقامة شعبتين عربية ومزدوجة (عربية فرنسية) في التعليم الثانوي.

– إصلاح 1979، وجاء عقب أول انقلاب شهدته موريتانيا، وأحدث هذا الإصلاح نظامين متمايزين أحدهما عربي والآخر فرنسي، وتضمن إنشاء معهد لتعليم اللهجات المحلية، وكان التوجيه إلى الشعبتين تلقائيا وفق قومية الطالب، حيث يوجه الطلاب العرب إلى الشعبة العربية والزنوج إلى الشعبة المزدوجة.

– إصلاح 1999، وقد جاء هذا “الإصلاح” من أجل إعادة تأسيس وتوحيد النظام التربوي الموريتاني والقضاء على نظام الشعبتين، وأضاف تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، ضمن ما وصف بإصلاحات أخرى.

ويأتي القانون التوجيهي والإصلاح الحالي ليكون الملف السادس في حقيبة “الإصلاحات” القانونية، مواجها بذلك أسئلة التعايش بين الاستعراب والفرنكفونية في البلاد التي تغنى أهلها بالعربية، واعتبروا مع شاعرهم الذئب الحسني أنهم أكثر الناس انتفاعا بها:

لنا العربية الفصحى وإنا أشد العالمين بها انتفاعا

فمرضعنا الصغير بها يناغي ومرضعه تكورها قناعا

المصدر : الجزيرة + الصحافة الموريتانية

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: