أخبار العالمسجالات

من “التذويب” إلى “الاستبدال الكبير”.. نظريات مرشحي الرئاسة الفرنسية حول الإسلام والمهاجرين

الانتخابات الرئاسية الفرنسية.. قضايا الإسلام والمهاجرين والهوية تشعل المنافسة

يتبنى بعض المرشحين نظرية “الاستبدال الكبير”، التي تروج لفكرة أن نخبة صغيرة تحيك مؤامرة ضد الفرنسيين والأوروبيين البيض، لاستبدالهم بأشخاص غير أوروبيين من أفريقيا والشرق الأوسط، معظمهم من المسلمين

في كتابه الصادر عام 2021 تحت عنوان “فرنسا لم تقُل كلمتها الأخيرة”، يقول المرشح اليميني المتطرف للانتخابات الرئاسية، إيريك زمور، إن “سياسة تذويب الأجانب داخل فرنسا تتطلب من كل أجنبي تجريد نفسه من أي انتماء ديني أو ثقافي أو اجتماعي سابق ليعيش فقط على الطريقة الفرنسية”.

ويندرج هذا القول لزمور ضمن خطاب سياسي انتخابي عام يجعل من مهاجمة الإسلام والمسلمين والمهاجرين مطية لاستقطاب أصوات الناخبين، من أجل الوصول إلى قصر الإليزيه.

ويتنافس في تبني هذا الخطاب مرشحو اليمين واليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات الرئاسية القادمة في أبريل/نيسان المقبل.

French far-right presidential candidate Zemmour attends a campaign rally in Villepinte
المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيريك زمور في أحد خطاباته الانتخابية (رويترز)
نظرية التذويب
وغير بعيد عن نظرية “التذويب” التي يتبناها زمور، تحدثت مرشحة يمين الوسط للانتخابات الرئاسية، فاليري بيكريس، في أول اجتماع شعبي لها منذ أيام، عن بناء فرنسا جديدة محصّنة من المهاجرين، ووعدت بمساعدة الدول الأوروبية في التوصل إلى حلول على المدى الطويل للحد من موجات الهجرة.

كما تُعد مهاجمة المهاجرين والمسلمين سلوكا أساسيا في سياسات زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبان، التي غالبا ما تربط في خطاباتها بين الهجرة إلى فرنسا و”تصاعد التطرف الإسلامي” وفق تعبيرها.

ولكن لماذا يركّز مرشحو اليمين الفرنسي على موضوع الهجرة والهوية والمسلمين على حساب مواضيع أخرى أكثر قربا من المواطن؛ مثل البطالة والقدرة الشرائية وارتفاع أسعار الطاقة؟

تقول المحللة السياسية والخبيرة في مجال الحقوق والحريات والإعلام بمنظمة “إنتر نيوز”، سوسن بن شيخ، إن موجة اليمين الشعبوي المتطرف لم تعد ظاهرة فرنسية فقط، “ولكنها أصبحت أوروبية وعالمية، بوجود نماذج مثل دونالد ترامب، ورئيس الهند ناريندرا مودي، وطبعا زمور ولوبان”.

وأضافت بن شيخ للجزيرة نت “عوض عن أن يتحدث المرشحون عن المشاكل الحقيقية للناس كالبطالة وتراجع القدرة الشرائية والصحة وطرح الحلول لها، فإنهم يركّزون على مشروعهم السياسي ويختلقون قضايا جانبية لا تعني المواطن البسيط في شيء
وخلصت بن شيخ إلى أن لعب اليمين الشعبوي المتطرف على هذه القضايا هو ترجمة حقيقية لغياب الرؤية الواضحة والمشروع السياسي الحقيقي والبرامج والحلول لمشاكل المجتمع.

من ناحيته، ينظر فرانسوا دو روش، المحلل السياسي والناشط الحقوقي ورئيس منظمة عدالة وحقوق بدون حدود، بقلق للنقاش اليميني المتطرف حول قضايا المسلمين والهجرة؛ لأنه نقاش أيديولوجي مزعج، حيث هناك محاصرة يومية وتهم موجهة للمهاجرين والمسلمين في الفضاء الإعلامي وفي وسائل التواصل الاجتماعي.

ويرى دو روش، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الخطابات خطيرة جدا على السلم الاجتماعي، لأنها تسعى إلى زرع الفرقة والخوف والترهيب داخل المجتمع الفرنسي.

ويقول إن “الطبقة السياسية المتطرفة تحاول ترويج أن الهوية الفرنسية مهددة من هؤلاء المسلمين والمهاجرين، وهذه مغالطة كبيرة”.

هجرة الأحزاب الوسطية
وفي هذا المناخ السياسي “المتوتر والمؤدلج” الذي تهاجر فيه الأحزاب الوسطية وتتدحرج فيه أغلب الأحزاب إلى اليمين المتطرف وتتنافس في تبني مواقفه، تنمحي الحدود الفاصلة بين التيارات والأحزاب السياسية في فرنسا، من أجل الفوز بأصوات ناخبي اليمين المتطرف.

وينطبق هذا أيضا على الرئيس إيمانويل ماكرون الذي خرج من جبّة اليسار وجلباب الرئيس الاشتراكي السابق، فرانسوا هولاند، عام 2016، ويسارع الخطى نحو اليمين المتطرف حتى قبل إعلان ترشّحه رسميا للانتخابات القادمة.

ويستغل ماكرون كل مناسبة لمحاربة الإسلام والتضييق على المسلمين منذ خطابه الشهير عام 2020، الذي أعلن فيه أن “الإسلام ديانة تعاني أزمة في كل العالم وليس في فرنسا فقط”. وترجم خطابه سريعا بإقرار قانون الانعزالية الإسلامية الذي خلق أزمة وفجّر جدلا في فرنسا.

وعن هذا التحول وهجرة الأحزاب الوسطية الفرنسية إلى اليمين المتطرف، تقول بن شيخ إن “حالة الانزلاق” هذه هي ظاهرة سياسية عامة، ولا ترتبط بماكرون فقط، فليس وحده من يسارع الخطى نحو اليمين المتطرف، بل حتى بعض أحزاب اليسار صارت تتبنى قضايا اليمين، ” فمن الواضح أن هناك تيارا من اليمين المتطرف جرف معه ماكرون وغيره ولا بد من الانتباه لخطورته”.

ومن جانبه، فسّر دو روش هجرة الأحزاب وتحولها بفراغ الساحة السياسية من الأفكار الحقيقية البناءة. لذلك انضمت بعض فئات المجتمع لمعسكر اليمين المتطرف، ليس اقتناعا بل نظرا للفراغ السياسي والاستقطاب الأحادي لوسائل الاعلام.

وبرأيه، ينطبق هذا أيضا على السياسيين الذين كانوا في الوسط وانضموا لليمين المتطرف، أو الذين كانوا في اليمين وتحولوا إلى اليمين المتطرف

الجنسية بالوراثة
تشير الأرقام الرسمية الفرنسية إلى حصول 61 ألفا و371 شخصا على الجنسية الفرنسية عام 2020، بتراجع قدره 20% عن 2019. بينما تمتّع أكثر من 200 ألف مهاجر أجنبي بتصاريح الإقامة في فرنسا عام 2021

وعلى ضوء ذلك، قالت مرشحة حزب “الجمهوريين”، فاليري بيكريس، لصحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الأسبوعية، إن عدد تصاريح الإقامة التي منحت للأجانب في فرنسا عام 2021 مبالغ فيه، و”هو رقم قياسي” ستسعى للحد منه “من خلال العمل على استعادة السيطرة على الحدود، لأن الهجرة غير المنظمة خطر على الأمة الفرنسية”، وفق تعبيرها.

أما زعيمة حزب ” التجمع الوطني” اليميني المتطرف، مارين لوبان، فشدّدت على أن الجنسية الفرنسية يجب أن تكون “إما وراثية أو مستحقة”.

نظرية الاستبدال الكبير
ويتبنى كل من زمور ولوبان نظرية “الاستبدال الكبير”، التي تروج لفكرة أن نخبة صغيرة ستحيك مؤامرة ضد الفرنسيين والأوروبيين البيض، بهدف استبدالهم بأشخاص غير أوروبيين من أفريقيا والشرق الأوسط، معظمهم من المسلمين.

ويستغل المرشحان هذه النظرية في إثارة الفتنة والكره والتفرقة ضد ثاني أكبر ديانة في فرنسا، وبغرض كسب أصوات أكثر وشعبية أكبر.

وفي هذا السياق، دعا زمور، الذي أدين مرتين بالتحريض على الكراهية، في أكثر من مهرجان خطابي انتخابي إلى تحرير فرنسا مما أسماه “الاحتلال الإسلامي”، في إشارة منه إلى الضواحي الباريسية التي تقطنها أغلبية من المهاجرين والعرب والمسلمين.

ويرى رئيس منظمة عدالة وحقوق بدون حدود، أن هذا الخطاب السياسي المتطرف يحاول ترويج أن الإسلام ديانة عنف وتعصب، وأن المسلمين لا يستطيعون الاندماج في المجتمع الفرنسي، وهذا، كما يقول “جهل كبير بهذا الدين يندرج في إطار الإسلاموفوبيا”.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: