أخبار العالمأخبار وطنيةزعماء وقادةمقالات

أسس مع 9 رجال أعظم دولة إسلامية في المغرب.. عبد الله بن ياسين الجزولي

عبد الله بن ياسين الجزولي، فقيه وعالم وسياسي ارتبط اسمه بنشأة دولة المرابطين التي وحّدت المغرب الإسلامي وحكمت حوالي 90 سنة، وكان قد أسسها بتسعة رجال حتى غدت أهم دولة إسلامية في المغرب والأندلس، وأعطت لاسمه إشعاعا وطنيا وأفريقيا وعربيا، وخصّه مؤرخو عصره بلقب مهدي المرابطين.

عاش فقيها زاهدا ومات شهيدا مجاهدا، وشنّ حربا على “الانحراف العقدي والديني”، ووصف بأنه من زعماء الإصلاح الإسلامي في أوائل القرن الخامس الهجري.

المولد والنشأة
ولد عبد الله بن ياسين الجزولي لأب صنهاجي يُدعى ياسين بن مكوك بن سير علي وأم تدعى تين يزامارن من أهل جزولة في قرية تياماناوت التي تقع في منطقة سوس بالمغرب، في طرف صحراء مدينة غانا، أي في أحواز مدينة أودغشت بحسب إحدى الروايات.

يرجع نسب عائلته إلى قبيلة جزولة الضاربة في أقصى المغرب قرب جبال درن، ويرجح الباحث حسن أحمد محمود نسبه إلى قبيلة جدالة الأمازيغية قرب منطقة السنغال التي تتوغل جنوبا حتى منحنى النيجر، وقد حرّف الرواة اسم الجدالي إلى الجذالي أو الجزولي بسبب خطأ في النسخ أو عدم التحقيق.

لم تذكر كتب التاريخ شيئا عن طفولته وتاريخ ولادته أو نشأته، والراجح أن مولده كان في مطلع القرن الخامس الهجري. وبالنظر إلى أصل والدته ومنشئها، فإن البيئة الصحراوية كان لها دور كبير في معرفته تقاليد قومه وطبائعهم ولغتهم.

جاء في مصنّف “المعسول” أن في ناحية مدينة وجدة المغربية اليوم من ينتسبون إليه، ووقف المؤلف على نسبة ابن ياسين الذي عرفه بـ”الجزولي التامانرتي” في عداد السملاليين، كما تسلسل لديه بين أنساب “الاحكاكيين”، وإليه كان ينتسب البيت الياسيني المنقرض في فاس

التكوين العلمي
بدأ ابن ياسين رحلته في طلب العلم مبكرا في المدارس التي انتشرت في المغرب الأقصى، حيث تتلمذ على أئمة فقهائها. ولا تذكر المراجع هل تتلمذ على يد الفقيه “وجاج بن زلو اللمطي” قبل ذهابه إلى الأندلس أم بعد عودته منها.

فقد ذكر المؤرخون أن الفتى شد الرحال إلى بلاد الأندلس في عهد ملوك الطوائف، وأقام بقرطبة 7 سنين حصل خلالها على علوم كثيرة من أعلام الفكر وأئمة العصر آنذاك.

ودرس على يد الشيخ اللمطي، فأخذ العلم وتفقه في الدين في “رباطه” الذي أنشأه في مدينة نفيس (أو قرية ملكوس) وسماه “دار المرابطين”، وكان معدا لطلبة العلم وقراءة القرآن.

كان اللمطي فقيها تتلمذ على أعلام المذهب المالكي في ذلك الزمان، من أمثال الإمام أبو عمران الفاسي والإمام ابن أبي زيد القيرواني وغيرهم من علماء الأندلس وقرطبة، فعدّ ابن ياسين من هذه الناحية تلميذا لهؤلاء الأعلام عن طريق غير مباشر، وبذلك جمع علم الأندلس وعلم المغرب.

اجتهد ابن ياسين في تحصيل العلوم الإسلامية، وكان يزود نفسه بالثقافة العامة ويدرس ويتعمق في فهم النصوص العلمية حتى أصبح فقيها في أمور الدِّين والدنيا.

ولم يكن فقيها فحسب، وإنما كان عالما محدثا ومفسرا، إذ فسر القرآن لأصحابه وروى الحديث، وكان من تلامذته محدثون، وقد برع في الفقه والحديث والتفسير وفي السياسة والجهاد وقيادة الجيوش والشعوب

صـفاته
عرف ابن ياسين بين أقرانه بسرعة الحفظ والفهم ودقة الملاحظة وقوة العارضة في البحث والحجاج، ووصفه بعضهم بأنه “من حذّاق الطلبة الأذكياء النبهاء النبلاء من أهل التدين والفضل والتقى والورع والفقه والأدب والسياسة، مشاركا في العلوم المتنوعة، يغلب عليه الحماسة والحمية للدين والانشغال بأموره وقضاياه”، كما ذُكر أنه “كان شهما قوي النفس ذا رأي وتدبير، حسن وذكيا نبيلا من أهل الفضل والدين والورع، جريئا أديبا تقيا وتقواه لا تخلو من سياسة شخصية مهابة الجانب”.

وكان متين التدين مروضا نفسه على القناعة والزهد، يحسن اللسان البربري ومجيدا للغة العربية، ويعرف أقوال الصحراويين وعاداتهم وطبائعهم ومكامن الضعف فيهم، كما كان شديد التقشف في مأكله ومشربه، وخطيبا موهوبا قوي التأثير والإقناع وواسع العلم والمعرفة.

استطاع “شيخ ابن تاشفين” أن يجتذب الطلبة الذين كانوا يشدون الرحال إليه من كل مكان ليستمعوا إلى دروسه ويحفظوا فتاويه وأجوبته، ويرجح الرواة أن هذه الأحكام سواء الشفهية أو المكتوبة كانت باللغة البربرية لا العربية.

وقد تتلمذ على يديه جيل من الفقهاء الصنهاجيين، منهم ميمون بن ياسين الذي رحل إلى الأندلس محدثا وراويا.

الرحلة إلى ديار لمتونة
توجّه ابن ياسين في رحلة إلى قبائل صنهاجة الجنوب التي تضم أكثر من 70 قبيلة عرفوا بالملثمين، وجاءهم داعية وفقيها إذ كانوا لا يعرفون من الدين سوى الشهادتين والقليل من فرائض الإسلام.

وكان قد وقع عليه الاختيار للقيام بتلك المهمة بناء على رسالة وجهها أبو عمران الفاسي (فقيه مغربي أقام في القيروان) إلى أستاذه اللمطي، يلتمس منه أن يرسل مع يحيى الجدالي فقيها تقيا فطنا لتصحيح وتعميق معرفة قبائل صنهاجة بالشرائع الإسلامية.

بدأ ابن ياسين جهاده معلما ومربيا في محيط صحراوي الطبيعة وقليل الأتباع، وكانت لمتونة أولى القبائل التي استقر بها في صحبة أمير جدالة عام 430 للهجرة (1038 للميلاد)، وقد أعجب به زعماؤها واحتفلوا بقدومه وأقبلوا عليه لتعلم الدين والفقه.

ولما شدّد عليهم بترك عاداتهم السيئة وما ألفوه ليحسن إسلامهم، ثقل أمره ونهيه عليهم، فنفروا منه وثاروا عليه وحاولوا قتله، وقيل إنهم هدموا داره ونهبوا ما فيها.

حينها اعتزل القوم وانحاز في رحلة تعبدية إلى جزيرة في المحيط قرب مصب وادي السنغال، وأقام فيها رباطا للعبادة وطلب العلم ونشر الإسلام مع أبي بكر بن عمر وأخيه يحيى بن عمر اللمتونيين و7 رجال من قبيلة جدالة

تأسيس الرباط وتوحيد صنهاجة
كان ابن ياسين ومن معه يحيون داخل الرباط حياة بسيطة متواضعة خشنة، وكان قبول الراغب في الانخراط إليهم معلقا بامتحان وفترة مراقبة للتأكد من استعداده لقبول نظام الرباط وقواعده.

وجمع الرباط بين 3 وظائف: الوظيفة التربوية والتعليمية والدعوية والجهادية، وأصبح الفقيه ابن ياسين أميره مكتفيا بالتوجيه والإشراف على شؤون المرابطين الروحية والسياسية، وترك القيادة العسكرية ليحيى بن عمر اللمتوني.

ولم تمض غير 3 أشهر (بحسب المؤرخ ابن أبي زرع الفاسي، وقال الباحث حسن أحمد محمود إنها حوالي سبع سنوات) حتى تسامع الناس بأخبارهم فتوافدوا على رباط ابن ياسين، فأخذ يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين. وذكر ابن أبي زرع أنه “لم يزل صائما من يوم دخل بلادهم إلى أن توفي رحمه الله تعالى”، فاشتد تأثيره في أتباعه

كما أرسل البعوث إلى القبائل لترغيب الناس في مذهب أهل الرباط حتى اجتمع له نحو ألف من أشراف صنهاجة، مكونين بذلك مجموع تلامذته وأتباعه الملتزمين لمنهجه، فأسس بهم حركة “المرابطين” وعرفوا في التاريخ بهذا الاسم.

ورافق عملية الوعظ والإرشاد عملية إصلاحية بشؤون المال والجباية، استفادت منها الطبقة الفقيرة من سكان القبائل، كما رفع المظالم عنها واكتفى بالجباية الشرعية، وكان ذلك عاملا مهما في استقطاب مزيد من الأتباع إلى صفوف حركته، فكثر أنصاره واستكملت قوته العسكرية حتى قادت إلى توحيد قبائل صنهاجة.

في بداية العقد الخامس من القرن الخامس للهجرة (القرن الحادي عشر للميلاد) كانت أول عملية عسكرية جهادية، خرج فيها 3 آلاف مرابط نحو قبيلة جدالة التي أذعنت للطاعة وأعلنت إسلامها عام 434 للهجرة.

وكان زعيم قبيلة لمتونة يحيى بن عمر قد ذهب إلى قومه وأتى بهم إليه فدخلوا في جماعته وأصبح العدد 7 آلاف، كما تمكن من إخضاع ما تبقى منهم ومن قبائل مسوفة ولمطة، وبها تمت عملية توحيد فروع قبيلة صنهاجة واستكملت القوة التي ستكون سندا قويا في قيام دولة المرابطين.

وعلى إثر ذلك، تمت مبايعة ابن ياسين أميرا لصنهاجة، واحتفظ يحيى بن إبراهيم بإمارة الجند.
إخضاع قبائل الصحراء
بعد أن وحّد ابن ياسين العصبية اللمتونية الصنهاجية كمرحلة أولى، شرع في عملية التوسع باتجاه الجنوب لضمان مورد مالي للدولة الناشئة

كانت البداية من مملكة غانا ومدينة أودغشت سنة 446 للهجرة (1054 للميلاد)، وفي العام نفسه قاد يحيى بن عمر حملة موازية في اتجاه الشمال.

ثم قوّض نفوذ الزناتيين الموجودين في درعة وسجلماسة في مرحلة ثانية، لضمان تمركز الطرق التجارية في قبيلة لمتونة.

وبعد ذلك، قاد عملية توحيد البلاد ابتداء من سوس، فاستولى على تارودانت وماسة عام 448 للهجرة (1056-1057 للميلاد)، ثم توجه إلى الأطلس الكبير لإخضاع بقايا القبائل المصمودية عام 449 للهجرة، ثم إلى شطر الجنوب الشرقي نحو مدينة أغمات التي كانت تحت نفود المغراويين.

وفي آخر مرحلة، توجه إلى منطقة تادلة والسهول الأطلسية لمنازلة بني يفرن الزناتيين وإخضاعهم لسلطته، وبعدها دخل -وهو شيخ مسن- في حرب مع البورغواطيين الذين اتبعوا مدّعي النبوءة صالح بن طريف.

وذكر المؤرخون أن حماسة الأمير ابن ياسين جعلته يتجاهل أو يتناسى الحكمة التي كان قد أدب من أجلها يحيى بن عمر اللمتوني، والتي تقضي بأن “الأمير لا يدخل القتال بنفسه لأن حياته حياة عسكره وهلاكه هلاكهم

استشهد الشيخ المجاهد في ميدان الحرب بمنطقة تامسنا بالشمال الغربي للمغرب الأقصى، وترك وراءه أرضية مهيأة لقيام دولة مغربية موحدة تحت قيادة أبي بكر بن عمر ويوسف بن تاشفين.

واكتملت معالم وحدة بلاد المغرب بعد تأسيس مراكش عام 545 للهجرة (1062 للميلاد) وإعلانها عاصمة للدولة الناشئة التي وضع لبنتها الأولى ابن ياسين.

عاشت دولة المرابطين حوالي قرن من الزمان، وشملت حدودها الجغرافية بلاد المغرب الأقصى والجزء الغربي من المغرب الأوسط (الجزائر حاليا) وأجزاء كبيرة من بلاد السودان الغربي والأندلس

الوفاة
استشهد مؤسس دولة المرابطين في الجهاد ضد قبيلة برغواطة في 24 جمادى الأولى 451 للهجرة، الموافق7 يوليو/تموز 1059، حيث أصيب بجراح شديدة توفي على إثرها.

كان مدفنه في ربوة ببلدة كريفلة في قبيلة زعير، على بعد 50 كلم من مدينة الرباط التي تحمل في اسمها جزءا من الرباط الذي أقامه ابن ياسين، وبُني على قبره مسجد لا يزال حتى الآن.

وعلى ضريحه عبارة نقلها كتاب الاستقصا للناصري “هذا ضريح الفقيه الصالح والعالم الناصح مولانا عبد الله بن ياسين الجزولي، مهدي المرابطين لدولة لمتونة، توفي رحمه الله شهيدا في حرب برغواطة سنة إحدى وخمسين وأربعمئة هجرية، وكان شديد الورع في المطعم والمشرب

وقد قام بنقشها وزخرفتها محمد بن عبد الله بن العباس الزعري العبيدي بتاريخ 20 صفر 1381 للهجرة، ويعرف الضريح حاليا باسم “سيدي عبد الله مول الكارة” أي الحلقة والرباط.

قالوا عنه
قال صاحب الاغتباط: “دوّخ المغرب إلى أن صار يدين بتعاليم الإسلام بعد أن كاد يتقلص منه”.

وذكر محسن بن الحسن الحجوي في كتابه الفكر السامي في الفقه الإسلامي عن عبد الله بن ياسين: “مؤسس الدولة المرابطية وناشر الدين في الأصقاع الصحراوية وفي السودان، وناشر المذهب المالكي والمقيم لدولة عظمى على أنقاض دول كثيرة متلاشية بالمغرب. هذا الرجل أفضل من يتزين بذكره ويتحلى بترجمته كتابنا هذا، لأنه مجدد الإسلام في أفريقيا الشمالية ومنها وصل إلى الأندلس، وعنه انتشر النور بعد الظلمة التي أحاطت بهذه الأقطار، وأدخل الحضارة والحياة الإسلامية العربية إلى سكان القفار، وكون إنسانا متمدنا مسلما بشوشا من قوم كانوا وحوشا، ولم شعت الإسلام بعد فتن وافتراق وكون وحدة أماطت الذل والشقاق، أما أعماله السياسية فهي مبنية على الاختصار في تاريخنا لأفريقيا الشمالية”.

وقال إبراهيم حركات في تقديم كتاب ندوة عبد الله بن ياسين: “لم يكن لقب مهدي المرابطين الذي خصه به مؤرخو عصره ضربا من الألقاب الفخمة المصطنعة، فهو وإن لم يشهد ثمار جهوده ومسيرته الصعبة فقد أشهر حربا لا هوادة فيها على الانحراف العقدي والديني، وجعل من الفقهاء انطلاقا من شخصه هو طرفا أساسيا في النظام السياسي والنظام القضائي، وسار كل من أبي بكر بن عمر ويوسف بن تاشفين في خطه تماما”.

المصدر : مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: