مقالات

“متى يقذف اليم تابوت هذا الضياع”؟ / محمد سالم حبيب

هل فيكم من فكر مرة في هذا الوطن؛ واقعه ومستقبله؟

هل فيكم من اعتبره أخا؟ أو أبا؟ أو ابنا؟

هل فيكم من اعتبره عشيرته، أوفصيلته التي تؤويه؟

كلا وألف لا.

إذ لو كان الأمر كذلك؛ لما كان حالكم معه كما هو الآن.

قلَّ من يتكلم عنه، أو يتعاطف معه، اوينافح عنه، أو يسعى لبنائه.

أما أن يضحي من أجله؛ فتلك لعمري رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي.

أنًى وليت وجهك شطر مرفق عمومي، فثم فساد مستشر وعلى كل الصعد.

سنقتصر في هذه الخرجة على نموذج واحد هو الحكامة التي نرجو أن تكون  رشيدة!

حكامة تدوِّر في الوظائف شخصيات لم تقدم شيئا يذكر لهذا الوطن، كلما تولت تسيير أمر عام خالته أملاكا خاصة، تقلبها – بعد أن تجفف منابعه – ذات اليمين تعيينا وتحفيزا للسائر في الفلك، وذات الشمال تجريدا وحرمانا، لمن تسول له نفسه التشكيك في التسيير.

دون أن نعي أن هناك شبابا أكفاء حملة شهادات أضنتهم البطالة، حتى قالوا: من راق؟

كان الأجدى ضخ هذه الدماء الجديدة و الطاقات المتقدة في الدورة الإنتاجية للوطن، بدل تركهم يسرحون ويمرحون وما يمكن أن ينجر عن ذلك من إحباط قد يدفعهم لاتخاذ قررات غير مدروسة، لا تخدم مآلاتهم الأخروية ولا الدنيوية.

لقد أضر بهذا الوطن –  للأسف –  أبناؤه غير البررة، وسوقوا ممارسات خطيرة ومشينة على واقع ومستقبل البلد، يبدو أنه الطريق الأوحد لتولي الشأن العام.

إنها ظاهرة الولاء والنفاق والمجاملات، والتزلف السياسي والتنافس غير الشريف في التقرب للنظام، بدوافع طمع وظيفي أو حفاظ على مصالح ذاتية وهو ما يجب على السلطة السياسية القائمة أن تعيه في وقته المناسب هذه المرة، وتلجأ إلى قطع الطريق أمام هؤلاء الذين لا يملون ولا يكلون من مثل هذه التصرفات التي تعودوا ريعها سنين عددا.

تصرفات آن لها أن تتوقف ويقطع دابرها، بعد أن أصبحت مكشوفة للكل، يسعفنا ما رأينا من بارقة أمل أخيرا في هذا الاتجاه – إن صحت – تذكر فتشكر.

لتحل محل ذلك أسس سليمة ومتاحة للكل ممن توفرت فيهم معاييرها ونزاهتها.

هذا إضافة إلى وجود طبقة من أصحاب النفوذ لا يسد عليهم ولا أمامهم باب، ويسهل عليهم الوصول والولوج لأي مرفق والاستفادة من خدماته، بل وتسويقها للآخرين من البسطاء – إن تطلب الأمر- مقابل تفاهمات خاصة.

والأغرب من كل ذلك، هو ما إن يقدر لأحد هؤلاء الذين تولوا الشأن العام على أسس معوجة، أن يحاسب جراء ما اقترف من جرائم في حق الوطن، حتى تسارع الدولة إلى مدارته في أول سانحة، بمنحه وظيفة “مجزية” تنسيه أيام كان “رهين المحبسين”.

إن غياب دولة المواطنة، ولي أعناق النصوص القانونية وعدم التعود على تفعيل النصوص التشريعية والتأديبية، وعدم إيماننا بدولة القانون، محصلته ما نعيشه اليوم من ويلات وتخلف وفساد وثراء بلاسبب.

يقام بكل هذا وذاك، استرضاء لمشيخة أو قبيلة أو جهة أو شريحة أو فئة، أوحزب لتكون الكفاءات الوطنية الصادقة التي عليها مدار مصلحة الوطن – وما أكثرها حين البحث عنها! –  هي آخر ما يتم التفكير فيه.

فساد ما بعده فساد، وورطة ما إن تنتهي حتى ندخل في أخرى، والضحية في كل مرة هو وطن لا بواكي له.

“فمتى يقذف اليم تابوت هذا الضياع”؟

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: