اقتصادالأدب السياسي

صديقي في أسفل الترتيب حسب مؤشرات قياس الحماقة السياسية

منذ أيام والجو كئيب في نواكشوط وفي بيت صديقي : أرياح رملية شديدة وبرد قارس.. أزمات سعال وزكام تنتابه وتعكر صفو حياته.

 بدأ حَمَّه يشك في كفاءة العلاج الذي يتناوله منذ أسبوعين.. وصار يتساءل عن منبع الخلل: هل الدواء مزور أو فاسد؟ أم أن العلة تكمن في سوء التشخيص الطبي؟ ولماذا لا يشعر بثمار العمل الشجاع الذي يقوم به الدكتور نذير؟

فقد تحمس كثيرا لجراءة هذا الوزير.. وأعجب بإخلاصه ومهنيته؛ إلى أن انتهى به الأمر إلى الشك لما تعذر عليه الحصول على الدواء في الصيدليات التي تعود على التزود منها:  تم إغلاق بعضها وترحيل ما تبقي وتناثره في أماكن نائية لحد ما بالنسبة لمواقع مراكز تشخيص الأمراض.. لا يعرف جل الباحثين المحتاجين لها أين هي.

 فصار يعترض على الإجراءات القاضية بإبعاد الصيدليات من المراكز الطبية بعدما كان يدعمها. ويتساءل عن مدى فعالية محاربة الأدوية المزورة والأدوية الفاسدة ومهربيها وباعتها.. وهو يحمد الله في نفس الوقت لكون ابن عمه شكرود وصيدليته لم يلحق بهما أذى. ولا يهمه إن كان شكرود يسوق أدوية مزورة أو فاسدة أم لا. المهم : سلامة ابن عمه وسلامة أعماله.

  ولذلك لم يخطر ببال حَمَّه أبدا أن يلوم نفسه على موقفه السابق من سياسة وزير الصحة ولا على موقفه اللاحق منه.

  في هذا الجو، ظل يتوكأ في خلوته بين أوهامه ومشاغله المتناثرة.. محاولا ترتيب افكاره وأحاسيسه حتى خلص إلى أن له شغلا شاغلا  وحيدا: كأي من الناس لن يرضى لنفسه بأن تصنفه العشيرة وغيرها: من ذويه وأصدقائه، ومعارفه… ضمن فصيلة الحمقى السياسيين المنبوذين. لذلك بقي مصرا على قراره ومتمسكا به بقوة:  سيسير دوما في التيار الجارف.. تلقى به أمواج الرأي السائد حيث ما رمت بها العواصف، تبعا لأهدافه المعلنة أو المسكوت عليها.

وهو محق تماما: اخطأ من ظن أن تغيير الرأي جريمة أو عيبا. ألا يقول المثل الفرنسي: “الحمقى وحدهم هم من لا يغيرون رأيهم“. وحَمَّه لا يشذ عن القاعدة.

وإن كان عدم الثبوت على المواقف السياسية من بين مؤشرات قياس الحماقة، فلا شك أنه في أسفل ترتيب الحمقاء السياسيين. إضافة لهذا المعيار، فإن وضوح الرؤية لديه يعزز مكانته. البوصلة التي يستدل بها والنبراس الذي يمشي على ضوئه واضحان بدرجة لا تترك مجالا للشك: الركوض وراء مصالحه الشخصية حيث ما كانت عبر استغلال ميزان القوى الظرفي بين الفاعلين السياسيين الذين يتعامل معهم.

وأخيرا، تذكر أنه تعلم على يد أشياخنا الفرنسيين“- كما يسميهم الأستاذ عبد الودود ولد الشيخ متهكما[i]– أن  “المال ليس له رائحة“، أي لا يهم مصدره.

في تلك اللحظات رن الهاتف، فرد حَمَّه على المنادي:

-”ينبغي أن تطمئن. فكما تعلم أنا مثلك: لست ملزما بالبقاء في نفس الحزب. ولا في نفس التيار السياسي…”

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

من موريتانيا المعلومة

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: