أخبار وطنية

نظرة في گاف من گِيفان شور “يَلَّالِي مَـمُّو جَمْ”/ باته البراء

حَـــــــرَّكْ يَــــــــانَ يَا امْغِـــــيـــــــــرْ @ كُـــــونْ الْخِـــــنْـــــــطْ امْعَــــــرَّمْ
وَانَ ذَ اللِّي نِـخْـــــتَـــــــيْـــــــــــــــــرْ @ الْــــــبَــــــــــاسُـو مِـــــشَّـــــــــــــــــــرَّمْ

أصعب اللحظات تلك التي يقف فيها الإنسان عاجزا عن الفعل في واقع يبدو قيد المتناول، لو أنه امتلك الأدوات التي تمكن من تغييره.
فهنالك أحيانا ما يفوق قدرة الإنسان، ولا يمتلك حياله إلا التمني والدعاء، مع أن أشياء أخرى تسهل إن توفرت لها الظروف، وساعد الحظ.
والشاعر منذ البدء يطلق صيحة حرى مستنفرا من حوله ومهيبا بهم، وكأنه يشهد مواجهة شديدة، ذلك ما يوحي به مُفْتَتَحُ النص: (حَـرَّكْ يَــانَ يَا امْغِـيـرْ)، فيتوقع السامع أن أمرا جللا يحدث، وشرا يتربَّصُ بالمستغيث، لكن “التَّافِلْوِيتْ” الثانية تكسر توهم المتلقي عندما يتحدث الشاعر عن وفرة الثياب، فينحسر فضاء الخوف وتخِف وطأة التوجس، إذ تبرز خصوصية النداء الصارخ؛ فالحرقة والتأوه والاستنفار سببها: (كُونْ الْخِنْطْ امْعَــرَّمْ)، وهنا تبدو صرخةً غير مبررة، فكثرة الثياب ووفرتها دليل رخاءٍ ودَعَةٍ، خاصة في مجتمع بدوي، لا يعرف الترف، ولا يشتغل بالتجارة، والمحظوظ فيه من يحصل على كسوة سنوية.
وكثيرا ما لجأ الناس في أعوام الرمادة والشدة إلى ارتداء الجلود، وبقايا الخيم، وكم مرة دُفِعَتْ السوائمُ -التي يفديها البدوي بنفسه- مقابل ملحفة من “النِّيلَه” أو دراعة من “بَاخَه”.
لكن العجب يزول حين تأتي تكملة “الْگَافْ”؛ فيكون للشاعر عذره، ولصيحتها ما يبررها: ( وَانَ ذَ اللِّي نِـخْـتَـيْــرْ @ الْـبَــاسُـو مِـــــشَّــــرَّمْ)، في “التافلويتين” الأخيرتين كُشِفَتْ الأوراقُ؛ فمحبوبة الشاعر ترتدي أسمالا بالية، وهو لا يملك أن يوفر لها ثوبا مناسبا.
ونتساءل: هل ذلك بسبب عجزه هو عن شراء الثوب؟
أم لكونها حبيبة لا زوجة فلا مبرر لكسوتها؟
في كلتا الحالتين يتملك العجز الشاعر، فقلة ذات اليد في زمن الرخاء والوفرة مؤلم مُذِلٌّ لزوجٍ يرى حَليلته تتلفَّعُ الأسمال، والنساء من حولها يرفلن في الثياب، فتأتي صيحته استغاثة من الفقر والعدم، وكما يقول المثل: (كاد الفقر أن يكون كفرا.)
وفي الحالة الثانية؛ يمتلكُ الشاعر الوسيلة ولكنْ أعْجَزَهُ التنفيذُ؛ فتوفير ثوب للخليلة يعتبر سُحْـتًـا؛ وهو أمر محرم دينيا، مرفوض اجتماعيا؛ لا تسمح به العادات الأصيلة، ولا تقبله الذائقة البدوية السليمة.
هكذا تتجلى أزمة الشاعر ونداؤه المستغيث الذي لخصه في “گَافٍ” يتيم؛ حيث لم يمتلك القدرة على الفعل، فلجأ إلى القول معبرا عنْ ألمٍ يُمِضُّهُ وهمٍّ يشغلُه.

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: