أخبار وطنية

كَـتـبَ الـبَـاحـث سـيّـدي أحْـمَـد ولـد الأمِـيـر : “التميز الإينشيري

استوقفتتي ظاهرة اجتماعية تمتاز بها منطقة إينشيري عن غيرها من مناطق موريتانيا الاخرى، وهي في نظري بحاجة الى فهم يشرح مضمونها وتفسير يجعلها في سياقها.
منطقة إينشيري تسكنها مجموعات قبلية من أبرز ساكنة هذه البلاد وقد تميزت أو تميز أغلبها بهذه الظاهرة. 
سكنت أسرة فاضلة من تجكانت منطقة إينشيري فصارت تعرف بأهل الحاج، وسكنت أسرة شهيرة من اليعقوبيين (إديقب) هذه المنطقة فعرفت بأهل بارك الله، وسكنتها أسرة عريقة من بارتيل فعرفت بأهل اتفغ الخطاط.. والشيء نفسه ينطبق على أسرة العلم والمعرفة أهل محمد سالم ذات الأصل المجلسي. وحلت بهذه المنطقة أسرة نجدة وبطالة من أولاد دليم فصارت تعرف بأولاد اللب. ونفس الشيء أهل اتفغ موسى من إديقب. هذا لا نجده الا في منطقة إينشيري؛ حيث تأخذ أسرة اسما مستقلا تماما وتصبح قبيلة بمسماها الخاص وشهرتها التي ملأت الخافقين. 
ما تفسير هذه الظاهرة الاجتماعية التي لا نجدها الا في إينشيري دون سواها من مناطق الوطن؟  
صحيح أن هذا لم يقع لمجموعات أخرى مثل أولاد بالسباع واولاد آكشار وغيرهم ممن سكن إينشيري حيث لم يتغير المسمى بل ظل الاسم العام الشامل يطلق على هذه المجموعات. 
لكن الأمر بالنسبة لأولاد اللب واهل اتفغ الخطاط وأهل الحاج وأهل بارك الله وأهل اتفغ موسى وأهل محمد سالم أمر ملاحظ، فهذه المجموعات الاينشيرية تميزت بهذه الظاهرة وعرفت بها، فاستقل الفرع عن الأصل وأزاح المسمى الخاص المسمى العام، فما سبب هذا التميز الإينشيري ولماذا لا نجده في مناطق موريتانيا الاخرى؟
في ظني أن هنالك عدة عوامل ساهمت في هذه الظاهرة اللافتة، من أبرزها العامل الجغرافي السياسي، فمنطقة إينشيري حاجز بين إمارتين قويتين هما: إمارة آدرار وإمارة الترارزة إلا أنها ظلت منطقة مستقلة، فلم تستطع أي من الإمارتين مع ما أوتيتا من قوة وسلطة ونفوذ أن تجعل إينشيري جزءا منها، فهذا التميز  السياسي الجغرافي أعطى لإينشيري في التاريخ القديم استقلاليته وهو ما جعل ساكنته اكثر تعبيرا عن انتماءاتهم الخاصة وأخذهم مسافة تؤكد تفردهم.
ونجد عند الشيخ محمد المامي تعبيرا عن تميز هذه المنطقة وبالتالي ساكنتها، وأنا اظن أن عبارة “المنكب البرزخي” كان الشيخ محمد المامي يطلقها على معنيين مزدوجين، فتارة يعني بها بلاد شنقيط التي تشكل حاجزا بين المملكة المغربية وبين الممالك الإسلامية في افريقيا الغربية، أو ما يسميه الشيخ محمد المامي: “العمالتين الإسماعيلية والبوصيابية”.
كما يطلق الشيخ محمد المامي المنكب البرزخي على إينشيري الذي يفصل بين الامارتين العتيدتين إمارة الترارزة وامارة آدرار. 
فالشيخ محمد المامي عندما يتحدث في قصيدته النونية عن تمفصلات مجموعة تشمشمه:
تيامن من تضاعف وانفردنا * بثغر لا يقال به منونا
إنما يؤكد على هذا التميز والتفرد الذي تمتاز به ساكنة منطقة إينشيري.
ولا شك أن تميز المجيدري بن حب الله، وموسوعية محظرة أهل محمد سالم، وما عرف من بطالة ونجدة اعلي ول أحمد ونجابة وقضاء الخرشي بن عبد الله بن الحاج المختار وكون مدرسة اتفغ الخطاط أم المدارس في أغلب بلاد شنقيط، وما عرف عن الشيخ محمد المامي من عبقرية وذكاء وتقدم على معاصريه كلها نماذج من تميز ساكنة إينشيري وأمثلة من بين اخرى أعم واشمل وعناوين لمضامين كثيرة تبين تميز هذه المنطقة وربما تفسر هذه الظاهرة التي أشرنا اليها”.

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: