قراءة متأنّية في تقرير محكمة الحسابات حول “صوملك” خلال فترة الشيخ ولد بده
أثار التقرير الأخير الصادر عن محكمة الحسابات حول الشركة الموريتانية للكهرباء “صوملك” جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية، بعد أن تضمّن جملة من الملاحظات التي وُصفت بأنها “اختلالات مالية وإدارية جسيمة” خلال فترة إدارة الشيخ ولد بده للشركة.
غير أن قراءة مهنية متأنّية للمعطيات الواردة في التقرير تُظهر أن الكثير من تلك الملاحظات فُسّر خارج سياقه الفني والاقتصادي، وأن أرقامًا أُدرجت دون الإشارة إلى الظروف الاستثنائية التي كانت تمرّ بها البلاد والمنطقة آنذاك.
تراجع مالي مرتبط بأزمات عالمية
فالانخفاض المسجل في بعض المؤشرات المالية للشركة خلال عامي 2021 و2022 لم يكن نتيجة سوء تسيير أو فساد، بل ناجم عن الارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات عالميًا، وما رافقه من أزمات طاقوية أثقلت كاهل شركات الكهرباء في المنطقة، في وقت لم تحصل فيه “صوملك” على دعمٍ مالي موازٍ من الخزينة العامة.
ورغم تلك التحديات، استطاعت الإدارة الحفاظ على استمرارية الخدمة وتوسيع الشبكة لتشمل مناطق جديدة، وهو ما اعتُبر حينها إنجازًا ميدانيًا كبيرًا في ظل ضغوط مالية خانقة.
المتأخرات والديون: إرث قديم وليس فسادًا
أما ما ورد بشأن عشرات الآلاف من الزبناء الذين لم يسددوا فواتيرهم، فهو ملف قديم متراكم منذ ما قبل 2010، ويتعلق في جزء كبير منه بالمؤسسات العمومية التي كانت فواتيرها تُؤجل لأسباب إدارية.
وقد أطلقت إدارة الشيخ ولد بده حملة وطنية لتحصيل المتأخرات، مع العمل على إدخال العدادات الذكية للحد من الفوترة التقديرية والتلاعب، وهي خطوة إصلاحية أقرّ التقرير نفسه بأهميتها.
النظام المعلوماتي: إصلاح قيد التنفيذ
صحيح أن النظام المعلوماتي للشركة كان قديماً ومتقادمًا، لكن الإدارة آنذاك كانت قد أطلقت مناقصة دولية لتجديده ضمن مشروع إصلاح شامل للحوكمة التقنية والمالية.
وبالتالي فإن توصيف “التهالك” لا يعني تقصيرًا، بل يعبّر عن وضعٍ كان الشيخ ولد بده يسعى فعليًا لتصحيحه بخطط واضحة ومبرمجة.
العمال المؤقتون: ضرورة تشغيلية لا فوضى
وجود عمال مؤقتين بنسبة مرتفعة كان ناتجًا عن الحاجة التشغيلية لتسيير فروع الشركة المنتشرة في عموم التراب الوطني، في ظل تجميد الاكتتاب الرسمي لسنوات.
وقد وضعت الإدارة خطة لتسوية أوضاعهم تدريجيًا وفقًا للقانون، بما يضمن حقوقهم ويحافظ على فعالية الأداء الميداني.
الفاقد الكهربائي: نسبة في حدود المعايير الإقليمية
أما ما وُصف بـ“هدر الطاقة”، فهو في الحقيقة فاقد تقني وتجاري طبيعي، تعاني منه أغلب شركات الكهرباء في الدول النامية.
وقد ظلت نسبته لدى “صوملك” في حدود المعدلات الإقليمية، رغم توسع الشبكة ودخول مناطق جديدة كانت خارجة عن الرقابة الفنية.
كما أطلقت الإدارة حملات ميدانية صارمة لمحاربة التوصيلات غير القانونية، أسفرت عن نتائج إيجابية خلال عام 2022.
الصفقات العمومية: ملاحظات شكلية لا شُبهات فساد
لم يُسجّل التقرير أي خرق مالي مثبت أو شبهة فساد، بل أشار إلى نواقص إجرائية محدودة تتعلق بعضوية اللجان وآجال الكفالات، وهي ملاحظات شكلية تم تصحيحها لاحقًا دون أن ينتج عنها أي ضرر مالي للدولة أو للشركة.
كفاءة واستقامة
من الإنصاف التأكيد أن الشيخ ولد بده يتمتع بسمعة مهنية معروفة، فهو إداري محنك عُرف بالاستقامة والانضباط والحرص على الشفافية سواء في “صوملك” أو في منصبه الحالي كمندوب عام لمندوبية “تآزر”.
وقد تمكن خلال فترة وجيزة من قيادة مشاريع اجتماعية وتنموية كبرى تستهدف الفئات الهشة، وبميزانية ضخمة تُدار وفق معايير رقابية دقيقة، ما يعكس نزاهته وكفاءته الإدارية.
خلاصة القول
إن تقرير محكمة الحسابات وثيقة فنية تُعنى بالملاحظات المحاسبية والإجرائية، ولا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن السياق الاقتصادي والمالي العام.
والخلاصة أن ما حدث في “صوملك” لم يكن فسادًا ولا تبديدًا، بل تحديًا اقتصاديًا تم التعامل معه بقدر عالٍ من المسؤولية والإصلاح المتدرج.
أما الرجل الذي حافظ على استمرارية الكهرباء في أصعب الظروف وأطلق مشاريع تحديث مؤسسية، فقد أثبت جدارة تُحسب له لا عليه.
ويبقى من الواجب أن تُقرأ الأرقام بموضوعية، وأن تُقيّم التجارب الإدارية بميزان العدل لا العاطفة، فالإصلاح الحقيقي لا يقاس بالعناوين الصاخبة، بل بما تحقق على الأرض من استقرارٍ وتطورٍ في خدمة المواطن والوطن
بقلم :صدام احمد أغميكه