رصدت محكمة الحسابات في تقريرها الصادر أمس الأربعاء اكتتابات خارج القانون قامت بها مديرية مشاريع التهذيب والتكوين التابعة لوزارة الاقتصاد والتنمية، كما سجّل منح صفقات من جهات غير مخولة، وتنفيذ صفقات غير مسجلة، وتعثرا كبيرا في المشاريع التي تتولاها المديرية.
وبدأت تقرير المحكمة في تناول المديرية بالتنبيه إلى ما وصفها بـ”الغموض” في وضعيتها القانونية، فهي تخضع لوصاية وزارة الاقتصاد والتنمية، دون أن تخوّل صفة مؤسسة عمومية أو مشروع أو وكالة مستقلة، ومع ذلك فهي “تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية وتمتلك لجنة لإبرام الصفقات العمومية خاصة بها”.
ورأت المحكمة أن هذه الوضعية قد يترتب عليها بعض السلبيات تتعلق أساسا بالغموض في تحديد طرق تنظيم عمل المديرية، والنظام الأساسي للأشخاص العاملين فيها وكذلك النظام المحاسبي المطبق عليها.
وأكدت المحكمة ضعف متابعة الأصول المتعلقة بالمشاريع المنتهية، فالمديرية لا تقوم بإنشاء قوائم مالية دائمة، بل تقوم بإنشاء قوائم مالية خاصة بكل مشروع حسب
جهة التمويل؛ حيث يتم تقييد جميع النفقات الخاصة بإنجاز هذا المشروع ويتم إغلاق هذه القوائم بعد انتهاء المشروع وفتح قوائم مالية جديدة خاصة بتمويلات جديدة.
كما لاحظت المحكمة عدم وجود نظام خاص بأرشفة الوثائق الخاصة بالصفقات العمومية، فلجنة الصفقات ليس لديها نظام أرشفة، وهو ما انعكس سلبا على حفظ الوثائق المتعلقة بالصفقات، ويعدّ مخالفة لمقتضيات القانون.
اكتتابات خارج القانون
المحكمة أكدت أن بعثتها سجّلت قيام المديرية باكتتابات لا تحترم المساطر القانونية، حيث تم اكتتاب 15 شخصا ما بين استشاريين ومتعاقدين خلال الفترة التي يغطيها التقرير، ودون احترام المساطر القانونية للاكتتاب، حيث غاب أي إعلان اكتتاب، ولم يتم تشكيل لجان اكتتاب، في مخالفة لمقتضيات المادة 395 من قانون العمل.
ووثّقت المحكمة اكتتاب 15 شخصا خلال الفترة من 2021 إلى 2023، ففي 2021 تم اكتتاب مسؤولة لتكنولوجيا المعلومات، ومسؤولة للتنظيم والتواصل، وفي 2022 تم اكتتاب رئيس مشروع للبنك الإسلامي للتنمية، ومساعدتين إداريتين، ومسؤول عن المتابعة البيئية، ومختصين في إبرام الصفقات، ووكيل ربط، وسائق، ومنسق فني جهوي، وكاتب.
أما في 2023، فتم اكتتاب مسؤول للمتابعة والتقييم بمشروع الوكالة الفرنسية للتنمية، ومتخصص في التكوين التقني والمهني، ومتخصص في تدريس العلوم.
المدير السابق للمديرية محي الدين سيدي باب دافع عن الاكتتابات، مؤكدا أنها تمت بصفة قانونية بناء على مقارنة بين السير الذاتية للمترشحين، كما أنها حدثت بالتنسيق مع الممولين الذين أبدوا عدم اعتراضهم عليها مشيرا إلى أن هذه الاكتتابات ساهمت في تحسين أداء المشروع، غير أن المحكمة أكدت أن مقارنة السير الذاتية للمترشحين غير كافية لضمان المساواة بين جميع الراغبين في المنافسة بل لا بد من نشر إعلان للعموم وكذا تحديد مفصل لملف الوظيفة مسبقا بالإضافة لوجود شبكة تنقيط واضحة، منبهة إلى أن المسيّر لم يشفع رده بوثائق تثبت ذلك.
شراء دون منافسة
المحكمة وثّقت قيام المديرية بعمليات شراء دون اللجوء إلى المنافسة، حيث اعتمدت عرضا وحيدا، وهو ما يعدّ مخالفا لمدونة الصفقات العمومية.
وقدّمت المحكمة في تقريرها أمثلة من هذه العمليات، كشراء معدات معلوماتية لصالح المديرية بمبلغ 3.6 مليون أوقية قديمة، وكإقامة حفل عشاء لـ100 شخص بمبلغ 5.4 مليون أوقية قديمة، فيما كلف حفل افتتاح الحرم الجامعي 2.9 مليون أوقية قديمة.
ونقلت عن المدير السابق تبريره للإعفاء برأي قانوني صادر عن سلطة تنظيم الصفقات العمومية ينص على أنه يمكن إعفاء الشركات من غرامات التأخير إذا كان عدم التنفيذ له علاقة مباشرة بجائحة كوفيد، منبهة إلى أن المدير لم يشفع رده بالرأي المشار إليه.
وأكدت المحكمة أن الرأي القانوني الذي أشار إليه المدير السابق صدر في نهاية العام 2020 في حين أن تاريخ الإشعار بالصفقة الأولى كان في نهاية 2021، وتاريخ الإشعار بالصفقة الثانية كان في فاتح العام 2022، وهي الفترة التي كانت فيها جائحة كوفيد آخذة في الانحسار.
وشددت المحكمة على أن عدم اقتطاع غرامات التأخير يعد مخالفة لمقتضيات المادة: 108 من المرسوم رقم: 083 – 2022، الصادر بتاريخ: 08 – 06 – 2022، المطبق للقانون رقم: 024 – 2021، الصادر بتاريخ: 29 – 12 – 2021 المتضمن مدونة الصفقات العمومية.
وأوصت المحكمة بالعمل على إزالة الغموض المتعلق بوضعية المديرية القانونية، ومسك سجلات جرد ممركزة تسمح بمتابعة الأصول المتعلقة بالمشاريع المنتهية، والالتزام بأحكام المادة: 295 من القانون رقم: 018 – 2019، المتضمن للمدونة العامة للضرائب، واتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل تفادي حصول تأخر في تنفيذ الصفقات العمومية.