1

بين التجنّي وواقع الإصلاح في تآزر

شارك المنشور:

قرأتُ مقالين متتاليين يهاجمان تآزر ومندوبها. تجاهلتُ الأول، لكن الثاني حمل من التَّجنّي ما يقتضي الرد. وقد تواصلتُ مع أحد العُمَد في الداخل ومع عدد كبير من المواطنين، فكان انطباعهم أن الهجوم غير مُبرَّر ولا صادق؛ فالكاتب بدا كمن استيقظ فجأة من نومٍ ثقيل ليكيل اتهامات من قبيل: «الفساد المالي والإداري»، «صفقة مشبوهة»، «زعيم ظل»، وهي عبارات إنشائية لا تمتّ إلى الصحافة الاستقصائية بصلة.

الصحافة الاستقصائية دورُها التوثيق والتحقُّق واستنطاق الوثائق والشهادات وعرض الحقائق بإنصاف، لا إطلاقُ أحكامٍ عامة ولا التلويحُ بعباراتٍ مُهيِّجة.

الإصلاحات التي قادها المندوب العام الجديد، الشيخ بَدَّه، ما كانت لتمرّ لولا الحزم والصرامة والانضباط الإداري وسيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة. وقد أضرت هذه الإصلاحاتُ بفئةٍ من المستفيدين كانت تعتمد أساليبَ التحايُل وتقديم ملفاتٍ مزيفة والوساطات والسعي إلى الامتيازات الشخصية. لذلك لجأ بعض المتضررين إلى الوقوف في الخفاء وتسريب وثائق للإضرار بالمؤسسة ومندوبها. غير أنّ الوثيقة المُسرّبة دليلُ قوةٍ لا ضعف، لأنها تُثبت وجود آليات تصحيح ومعايير مُطبَّقة وليست تستراً على خلل.

الوثيقة المسربة لا تكشف عن صفقة مشبوهة كما صوّرها الناقد، بل تبرز خياراً عملياً يهدف إلى توسيع دائرة الاستفادة بأقل كلفة ممكنة. فتكلفة البئر الارتوازية مع التجهيز الكامل تفوق بكثير ما ذُكر. أمّا ترميم وتعميق الآبار التقليدية وتجهيزها فيمكن إنجازه بكلفة أقل بكثير. وبذلك تتّسع دائرة الاستفادة لتشمل قرى ريفية أكثر عدداً، وهو ما يجعل القرار أقرب إلى العدالة المائية منه إلى العبث المالي.

لا أحد ينكر أن المؤسسة مرّت بمرحلة صعبة من التخبط وأخطاء في الاختيارات والشفافية، وكان من الواجب على من يدّعي الحرص أن يستقصي آنذاك، حيث كان للنقد أن يكون وجيهاً ومفيداً. أمّا أن يُغضّ الطرف عن تلك المرحلة ثم يُستهدف الإصلاح اليوم بعد أن بدأت المؤسسة تنهض ببرامج اجتماعية مباشرة، وتواكب المشاريع المدرة للدخل، وتتدخل في التعليم والصحة والماء الشروب بما يلمسه الناس على أرض الواقع، فذلك لا يُعدّ نقداً موضوعياً بقدر ما هو محاولة متأخرة لتشويه إنجازات ملموسة.

صحيح أن هناك من ينتقد تآزر من حيث المبدأ، بل ويبالغ في الحديث عن حجم ميزانيتها وكأنها عبء على الدولة، غير أن هذه المؤسسة لم تنشأ عبثا، بل جاءت استجابة لحاجة وطنية ملحّة لتجميع الجهود الاجتماعية المبعثرة في كيان واحد، وتوجيهها بشكل منظم نحو محاربة الفقر والهشاشة. فبدل تعدد البرامج وضعف التنسيق بين القطاعات، أصبحت هناك مظلة واحدة تُعنى بالدعم الاجتماعي المباشر، وتمكين الأسر الفقيرة، ومواكبة المشاريع الصغيرة المدرة للدخل، والتدخل في مجالات التعليم والصحة والماء الشروب. وبذلك، فإن ما يُنفق على تآزر ليس تبديداً، بل استثمار في العدالة الاجتماعية، وضمان للسلم الأهلي، وحماية للنسيج الوطني من التفكك الذي يولده الإقصاء والتهميش.

لقد شهدت دول عديدة تجارب رائدة في دعم الفئات الهشة، مثل البرازيل ببرنامج “منحة الأسرة”، والمكسيك ببرنامج “الفرص”، ورواندا ببرنامج “الرؤية 2020″، والهند ببرنامج “ضمان التشغيل الريفي”. واليوم، فإن ما حققه المندوب الجديد من إصلاحات لم يكن مجرد تصحيح مسار، بل إعادة تأسيس لمفهوم العمل الاجتماعي، حيث وُضعت تآزر على سكة مؤسسية تجمع بين الحزم والشفافية والعدالة. هذا التحول يجعل من الرئيس محمد الشيخ الغزواني عبر تآزر نموذجا مرجعيا في إفريقيا في توظيف الدولة لخدمة الفئات الهشة، مع بقاء الحاجة إلى تحسينات مستمرة لمواكبة التحديات.

وفي المحصّلة، فإن ما حققه المندوب العام يمثل تحولا نوعيا في مسار العمل الاجتماعي، إذ أعاد للمؤسسة مصداقيتها وربط أداءها بالشفافية والمحاسبة. ومن غير المقبول أن يُترك إطار كفء ونزيه فريسة لمحاولات التشويه التي تقودها شبكات الفساد؛ فالوقوف معه اليوم هو دفاع عن خيار وطني استراتيجي يرسخ العدالة الاجتماعية ويحمي المكتسبات من الانتكاس.

بقلم المهندس الحاد سيدي ابراهيم سيدي يحي

شارك المنشور: