أخبار وطنية

العلامة المحدث الأديب الأريب محمدي ولد المصطفى في ذمة الله

(سقط هذه الليلة نجمٌ عظيم):
إنا لله وإنا إليه راجعون، توفي الليلة شيخي ومعلمي وأستاذي العلامة المحدث الأديب الأريب المشارك المطلع، الزاهد العابد الورع، محمدي ولد المصطفى، والذي رفع السموات بغير عمد إن موته موتُ العالَمِ، يقول ابن مسعود-رضي الله تعالى عنه-: (موت العالم ثُلْمَةٌ في الإسلام، لا يسدها شيء ما طرد الليل والنهـار) رواه البغوي في: (شرح السنة) (1/317)، والإمام أحمد في: (الزهد) (رقم:1478)، والدارمي في: (سننه) (1/351/رقم:333)، وابن عبد البر في: (جامع بيان العلم وفضله) (1/595/رقم:1021)، ولا يصح مرفوعاً. انظر: (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (رقم:4668)، و(سلسلة الآثار الصحيحة) (1/119/رقم:109)-.
وروي مرفوعاً بلفظ: (إذا مات العالم انثلم في الإسلام ثُلمة، لا يسدُّها شيء إلى يوم القيامة) (لكنه لا يصح مرفوعاً).
ويقول الإمام الزهري: (كان من مضى من علمائنا يقولون: “الاعتصام بالسنة نجاة، والعلمُ يُقبَضُ قبضاً سريعاً، فنَعْشُ العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله”) (أخرجه الدارمي في: (سننه) (1/230/رقم:97)، واللالكائي في: (شرح أصول الاعتقاد) (رقم:136)، والبيهقي في: (المدخل إلى السنن) (رقم:860)، وأبو نعيم في: (الحلية) (3/369)، وابن بطة في: (الإبانة) (رقم:159)، من طريق الأوزاعي به، وهذا إسناد صحيح.
قال الدارمي في: (سننه) (1/309/247): (حدثنا أبو النعمان، حدثنا ثابت بن يزيد، حدثنا هلال بن خباب، قال: سألت سعيد بن جبير، قلت: يا أبا عبد الله، ما علامة هلاك الناس؟ قال: “إذا هلك علماؤهم”).
وصدق من قال:
إِذَا مَا مَاتَ ذُو عِلْمٍ وفَتْوَى * فَقَدْ وَقَعَتْ مِنَ الإسْلاَمِ ثُلْمَة
وقال آخر:
إذا ما مات ذو علم وتقوى * فقد ثُلِمَتْ من الإسلام ثُلمَهْ
وموت الحاكم العدلِ الْمُوَلَّى * بِحُكم الأرض مَنقصَةٌ ونِقْمهْ
وموتُ فتىً كثيرِ الْجُودِ مَحْلٌ * فإنَّ بَقَاءَه خَصْبٌ ونِعمهْ
وموت الفارسِ الضِّرْغَامِ هَدْمٌ * فَكَمْ شَهِدَتْ لهُ بالنصر عَزْمَهْ
وموت العابِدِ الْقَوَّامِ ليلاً * يُناجِي ربَّه في كل ظُلْمَهْ
فَحَسْبُكَ خمسةٌ يُبْكَى عليهم * وباقِي الناسِ تَخْفِيفٌ وَرَحمهْ
وبَاقي الخلقِ مِنْ هَمَجٍ رِعَاعٌ * وفِي إِيجَادِهِمْ لله حِكْمَهْ
قال حماد بن زيد-رحمه الله تعالى-: (كان أيوب يبلغه موت الفتى من أصحاب الحديث فيُرى ذلك فيه، ويبلغه موت الرجل يذكر بعبادة فما يرى ذلك فيه).
وقال أيوب السختياني-رحمه الله تعالى-: (إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره، إِنِّي لأُخْبَرُ بموت الرجل من أهل السنة فكَأَنِّي أفقد بعض أعضائي).
وقال أيضاً-رحمه الله تعالى-: (إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطْفِئُوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون).
ولما مات زيد بن ثابت قال ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما-: (يا هؤلاء من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم، فهكذا ذهاب العلم، وأيم الله لقد ذهب اليوم علمٌ كثير، يموت الرجل الذي يعلم الشيء لا يعلمه غيره، فيذهب ما كان معه-ويشير إلى قبر زيد ويقول:-لقد دفن اليوم علمٌ كثير) (المعرفة والتاريخ) (1/485).
وقال أيضاً: (أَتَدرون ما ذهاب العلم؟ قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء ولا يزال عالمٌ يموت، وأثر للحق يَدْرس حتى يكثر أهل الجهل وقد ذهب أهل العلم فيعْملون بالجهل ويدينون بغير الحق ويَضِلون عن سواء السبيل) رواه الدارمي في: (سننه) (1/78)، وابن عبد البر في: (جامع بيان العلم وفضله) (1/559/603).
وفي رواية قال: (“هل تَدرون ما ذهاب العلم؟” قلنا : لا، قال: “ذهاب العلماء”) أخرجه الدارمي في: (سننه) (1/310/رقم:249)، وأبو خيثمة في: (العلم) (رقم:53).
وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت يحيى بن جعفر البِيكَنْدي-رحمه الله تعالى-يقول: (لَوْ قَدَرْتُ أن أزيِدَ في عمُر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم) كما في مقدمة: (حاشية المحدث أحمد علي السهارنفوري على صحيح البخاري) (1/78-دار البشائر).
وسمعته يقول لمحمد بن إسماعيل-رحمه الله تعالى-: (لولا أنت ما استطعت العيش ببخارى) (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) (6/151/رقم:409-ترجمة: محمد بن إسماعيل البخاري)، و(كوثر المعاني 1/95).
وكتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل كتاباً فيه:
المسلمون بخير ما بقيت لهم * وليس بعدك خير حين تُفْتَقَدُ
وقال أخر:
منْ شَاءَ بَعْدَكَ فَلْيَمُتْ * فعليكَ كُنت أُحَاذِرُ
كَنْتَ السَّوَادَ لِنَاظِري * فَعَمِيْ عَلَيْكَ النَّاظِرُ
لَيْتَ الْمنَازِلَ والدّ * يـــَارَ حَفَائرٌ وَمَقَابِـرُ
إِنِّي وغَيْرِي لا مَحَا * لَةَ حَيْثُ صِرْتَ لَصَائِر

وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم القائل: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري في: (صحيحه) (1/174/175/قم:100-2-كتاب العلم، 35-باب: كيف يقبض العلم، وطرفه في:7307-طبع: دار الكتب العلمية)، أو: (1/194)، و(13/282-مع الفتح)، ومسلم في: (صحيحه)، كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن، رقم: (2673) أو: (16/223/225-مع النووي).
كان يقول لي: يا شيخ عمر أنت أخي الذي لم تلده أمي أخصك بما لا أخص به أحداً، كنت أعرض عليه أنظامي، وكان ينصحني، وكنت أقرأ عليه ساعات حتى ربما أغمي عليه نصف ساعة، وأنا عند رأسه انتظره، فإذا استيقظ: ناداني الشيخ عمر هل أنت هنا، ثم يقول: أين وصلنا تابع؟ كنت أقرأ عليه المراسلات التي كانت بيني وبين شيخي العلامة محمد بوخبزة-رحم الله الجميع-ويقول: (زين حَتَّ، اسكي).
والله إن موته مزق قلبي، وهدم كياني، لما اتصل علي الأستاذ محمد الأمين أخبرني بموته أحسست بهزة عنيفة في قلبي بكيت بكاء مريراً، لأنني أعرف قدره وعلمه ونفعه، علم وعمل، ما رأيت مثله في زهده وورعه، وأدبه، وسمته، ودله، وعلمه، وكرمه، وعفة لسانه، وهنا يحضرني قول سيدنا عمر في عبد اللّه بن مسعود-رضي اللّه تعالى عنهما-: (كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً) أَيْ: أَنَّهُ وِعَاءٌ لِلْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ الْوِعَاءِ الذِي يَضع الرجل فيه أَداته، وتصغيره على جِهَةِ الْمَدح له، وهو تصغير تعظيم لكِنْف كقول حُباب بن المُنْذِر: (أَنَا جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها المُرَجّب) رواه البخاري في مواضع من: (صحيحه) (رقم:3445/4021/6829/6830/7323)، ومسلم في: (صحيحه) (رقم:1691)، وتوسع في تخريجه-بما لا مزيد عليه-محققو: (مسند الإمام أحمد) (1/449/453/رقم:391-حديث السقيفة).
وهنا: (شَبَّهَ سيدُنا عُمَرُ قَلْبَ ابن مسعود بِكِنْف الرّاعي لأَن فيه مِبْراتَه ومِقَصَّه وشَفْرتَه ففيه كلُّ ما يريد؛ هكذا قلبُ ابن مسعود قد جُمع فيه كلُّ ما يحتاج إليه الناس من العلوم، وقيل: الكِنْف وعاء يَجعل فيه الصائغ أَدواته، وقيل: الكِنْف الوعاء الذي يكْنُف ما جُعل فيه أَي يحفظه).
وهذا الوصف ينطبق على شيخنا العلامة الأديب محمدي ولد المصطفى، الزاهد الورع القائم القانت، يأكل أكل من يسد الرمق، ليس إلاَّ.
وأذكر أن شيخنا العلامة المحدث محمد عبد الله خطيب النباغية حَكَى لي أنه مرةً كان في مجلس غذاء مع شيخنا العلامة الفقيه الأصولي محمدفال (أباه)، ونظر إلى شيخنا محمدي فإذا به يأكل قليلاً، فقال: (نحن نأكل أكل البشر، ومحمدي كأنه يأكل أكل الملائكة-والمقصود مبالغة في قلة أكله، وإلاَّ فالملائكة لا تأكل).
ماذا أقول، ليس لي ما أقول، إلا: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، وأقول لشيخنا العلامة الفقيه الأصولي الشريف العلوي محمدفال اباه، ولزوجه العالمة الفاضلة السالمة، ولبناته رزقكم الله الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون، والله مصيبتنا واحدة).
هذه ترجمته نقلتها من شرحي لكتابه: (نظم السور التي صلى بها رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم):
س: مَنْ هُوَ الشَّيْخُ مُحَمْدِي؟ ج: هُوَ الشَّيْخُ الْعَالِمُ الْمُحَقِّقُ الْمُدَقِّقُ الْمُتَفَنِّنُ فِي الْعُلُومِ الشَّرِيفُ الْعَلَوِيُّ مُحَمْدِي بنُ الْمُصْطَفَى الشَّنْقِيطِ الْمُورِيتَانِيّ، وَلَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي فنون كثيرة، كَـ:
1-التَّفْسِيرِ: (وَأُصُولِهِ، وَقَوَاعِدِهِ، وَأَحْكَامِهِ).
2-وَالْحَدِيثِ وَأَحْكَامِهِ، وَأُصُولِهِ، وَقَوَاعِدِهِ: (رِوَايَةً، وَدِرَايَةً).
3-وَالسِّيرَة النَّبَوِيَّةِ وَأَنْوَاعِهَا: (الْمَغَازِي، وَالأَنْسَابِ، والشَّمَائِلِ).
4-وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: (وَمَعَانِيهَا، وَأُصُولِهَا، وَتَنَوُّعِ أَحْكَامِهَا).
5-وَالنُّحْوِ الْعَرَبِيِّ: (وَأُصُولِهِ، وَقَوَاعِدِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَتَنَوُّعِ مَدَارِسِهِ، وَأَعْلاَمِهِ).
6-وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ: (بِنَوْعَيْهِ: الْجَاهِلِيِّ، وَالإِسْلاَمِيّ).
وَبِعِبَارَةٍ: فَشَيْخُنَا مُحَمْدِي بنُ الْمُصْطَفَى جَبَلٌ نُفِخَ فِيهِ رُوحٌ، وَهُوَ مَثَلٌ يُدْعَى وَلاَ يَتَنَكَّبُ: (وَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا) ، وأذكر هنا بيتاً مُعَبِّراً من أرجوزة لي كنت قلتها داخلَ كلية يوسف-عليه السلام:
صبراً فكل الصيد فِي جوفِ الفَرَا * لا يَشْغَلنَّ لبيبَكُمْ مَن ينعقُ
وقلت في أخرى:
أبْشِر فَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الفَرَا * زَعْمٌ بِبُرْهَانٍ جَليٍّ قُيِّدَا
ومرة قلت:
أَنعِمْ بِهَا مِنْ أُسْرَةٍ يَـا (مَالِكَا) * فُزْتُمْ فَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَـوْفِ الْفَرَا

شَيْخُنَا مُحَمْدِي حَافِظٌ لِكُلِّ فَنٍّ تُسَامِرُهُ وَتُذَاكِرُهُ فِيهِ، وَأَنَا بِهِ خَبِيرٌ، كُنْتُ أُحَادِثُهُ فِي كُلِّ فَنٍّ فَأَجِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ، مُسَامَرَاتُهُ تُؤْخَذُ مِنْهَا الْقَوَاعِدُ الْقَوَاطِعُ، تَجِدُهُ يَمْلِكُ نَاصِيةَ الْبَلاَغَةِ، وَيَتَحَكَّمُ فِي عُقُولِ النَّاسِ، عَالِمِهِمْ، وَجَاهِلِهِمْ، وَيَنْقَادُونَ إِلَى أَحَادِيثِهِ الْمُؤْنِسَةِ وَالْمُطْرِبَةِ، وَالشَّبِيهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى شَبِيهِهِ فَيَتَعَاضَدَانِ وَيَتَوَافَقَانِ، مِنْ بَابِ: (وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَهْ)، وَقَدْ يَتَنَافَرَانِ وَلا يَجْتَمِعَانِ.
شَيْخُنَا مُحَمْدِي بن الْمُصْطَفَى: (وَإِنْ كَانَ لِدَاتُهُ وَأَتْرَابُهُ: (يُعِيدُونَ مَا قِيلَ قَبْلَهُمْ، فَقَلَّ عِندهم الاِبْتِكَارُ): فَهُوَ يَبْتَكِرُ، وَيُبْدِعُ، وَيُوغِلُ فِي ذَلِكَ، وَيُبدِي وَيُعُيدُ وَيُفيدُ، زِيادَةً عَلَى أَنَّهُ مُتْقِنٌ لِلتَّارِيخِ، وَالأَنْسَابِ، وَالْوَفَيَاتِ، وَأَخْبَارِ النَّاسِ، وَمَا جَرَى، وَمُجْرَيَاتِهِمْ، وَسِيَرِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ، وبلدانِهم، وأنسابِهم، وكُنَاهُم، وَسِيَرِ الصَّالِحِينَ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ.
وَشَيْخُنَا مُحَمْدِي منقطِعٌ للمطالعة، والتأليف، متواضعٌ شديد التواضع، حريصٌ على الاستفادة من كل أحدٍ، يستفيدُ أكثرَ مما يُفيد، يحب أن يضم ما عند غيره من العلوم إلى ما عنده، وكان يُباحثني ويحاورني في علم الحديث كأنه يستنطق ما عندي، وأنا أستفيد منه في كل حوار علماً جَمّاً، وآداباً شَتَّى.
شَيْخُنَا مُحَمْدِي متقلِّلٌ من الدنيا، زاهِدٌ فيها، لا يصل إلى يده منها شيءٌ إلا أنفقه في سبيل الخير، وإعانة طلبة العلم، حتى أنه يُعطي لِبَاسَهُ ونعالَه وكتبَه العزيزةَ عليه، مُؤثِرٌ لِلخمول، منكمِشٌ مع حُسْنِ الْخُلُقِ، وبشاشةِ الوجهِ، متين الدين، شديد الورع، والتوقي، والتحري في أمور دينه، له تآليف، وأنظامٌ كثيرةٌ محررة، ومدقَّقَةٌ، وأغلبها مما يتعلق بالسيرة النبوية، والشمائل المحمدية، أجاد فيها وأفاد، مكث مدةً يُدَرِّسُ الطلبةَ ويراجع لهم ما قرأوه، إلى أن ضَعُفَ جسمُه، واعتوَرَتْهُ الأسقامُ فترك ذلك كله، وانقطع للتأليف وتحرير المسائل.
قرأ على شيخنا ومجيزنا العلامة الفقيه الأصولي محمدفال اباه-حفظه الله تعالى-واستفاد كثيراً من مجالسته، ومذاكرتِه، وكان يكتب ما يعرِض له من إشكالات، ويعرضها عليه فيحلها له فيفرح بذلك كثيراً، وله فيه مدائح رائقة وفائقة، وشعره في غاية الجودة والإحكام، لو جمع لجاء في مجلد ضخم، أو: مجلدات، وكنت كثيراً ما أسمع شيخنا أباه يشيد بمكانته في التحرير والتدقيق، وربما ذيل بعض قصائده مما يدل على استحسانه لها، ويقول: (محمدي) لا يقول: شيئاً في أحد-يعني: لا يغتاب أحداً-وله استدراكات وتنبيهاتٌ على كتب بعض الأقدمين من مشاهير العلماء والحفاظ تدل على سعة اطلاعه واتِّساع باعه.
وكذا اتساع باعه في المطالعة والتنقيب، وألف ونظَمَ ونثرَ في مواضعَ لم يُسبَق إليها حسب علمنا، مثل تأليفه في:
1-(الأشباه والنظائر في الأحاديث النبوية).
2-وتخريجه لأحاديث: (نهاية ابن الأثير في غريب الحديث) ولم يُتِمَّهُ.
3-و(جمْع أسماء الذين شهد لهم النبي بالجنة)، ورسائل أخرى كثيرة.
وأظن أن تآليفَه تقارب الثلاثين، أو: تزيد عليها.
وَبِالجملة فسيرته وسَمْتُهُ يُذَكِّرُكَ بالسلف الصالح، وهو أشبه برجال: (الحلية) منه بزمانه، وترجمته ثرية بالفوائد والفرائد والغرائب والعجائب ربما أفردها بكتاب مستقل، وإن كنت أعلم أنه لا يحب ذلك، والآن نقلت لكم ما سمح به الوقت، وأسعفني به الحال، مد الله في عمره وأبقاه في عافية وسلامة، ونعَمٍ من المولى الكريم ضافية، والسلام.
س: وقد سألني بعض المشايخ من أهل المغرب، قائلاً: شيخ عمر مَنْ هو ناظم السور التي صلى بها رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-الذي سمعناك تتحدث عنه، وتشيد به في أحد دروسك الفقهية؟ ج: فأجبته قائلاً: نَاظِمُهَا هُوَ شَيْخُنَا الْعَلاَّمَةُ الأَدِيبُ، وَالْفَهَّامَةُ الأَرِيبُ الْمُطَّلِعُ: مُحَمْدِيْ بن محمد بن مُحَمْدِيْ بن المصطفى بن سيدي أحمد الخليفة بن سيدينا العلوي الشريف الشنقيطي.
وَشَيْخُنَا مُحَمْدِيْ: (يتصل نسبه بالقاضي عبد الله العلوي (قاضي البراكنة)، مخيم الشرف الذي نضج العلم تحت بجاده، والتأمت فنونه بين مضارب أوتاده).
س: متى وُلِدَ شَيْخُنَا مُحَمْدِيْ بن المصطفى؟ ج: وُلِدَ شيخنا مُحَمْدِيْ بن المصطفى-حفظه الله وبارك في عمره، وكثَّر فوائده، ومَدَّ على الخلق عوائده-أوائل العقد السابع من القرن الهجري الرابع عشر بين أطناب بيت العلم والورع والأدب بيت جده لأمه محمد بن محمد المختار العلوي (المتوفَّى سنة:1374هـ).

وحفظ القرآن صغيراً، ثم اشتغل بطلب العلم على شيخ مشايخ النباغية، وعالمها وعَلَمها شيخنا ومجيزنا العلامة الفقيه الأصولي محمدفال (اباه) بن عبد الله، وكان من الأوائل الذين انتسبوا لمحظرة النباغية، وهو الآن من شيوخها الذين يُرْجَعُ إليهم في جميع الفنون المحظرية، من غير مثنوية فيها.
س: من هو محمدي بن المصطفى في سوق العلم والعلماء؟ ج: هو: العالم المحقق المدقق المتفنن المتقن في فنون كثيرة، وله اليد الطولى في كل الفنون، وله مشاركات-في جلها نظماً ونثراً-في التفسير، والحديث، والسيرة النبوية، والمغازي، واللغة العربية، والنحو، وأشعار العرب، حافظٌ متقنٌ للتاريخ والأنساب، والوفيات، وأخبار الناس ومجرياتهم، وسير الصحابة الكرام، وبلدانهم، وأنسابهم، وكُناهم، منقطع للمطالعة والتأليف، متواضع شديد التواضع حريص على الاستفادة والإفادة.
وقد سبق أن ذكرنا أنه: يحاول أن يستفيد أكثر مما يفيد، يحب أن يضم ما عند غيره من العلوم إلى ما عنده، ومع ذلك من يجالسه يخرج بفائدة عظيمة، وكان يقول لي: يا شيخ عمر ما جالستك إلا واستفدت منك، ولو عكسنا لأصبنا، ما جالسته إلا وأخرج بفوائد كثيرة منه، و(الْخِبْرَةُ تُزِيلُ الْحَيْرَةَ، وَالاِمْتِحَانُ يُجلِي الإِنْسَانَ) ، وَ(الاِخْتِبَارُ وَافَقَ الْخَبَرَ، فَكَانَ حُكْماً وَمِثَالاً).
هذا، وقد أذن لي شيخي العلامة الأديب، الزاهد العباد الأريب محمدي ولد المصطفى العلوي، أن أشرح هذا النظم شرحاً خفيفاً، أحل فيه-وبه-ألفاظ المتن، وهذا إذنه-كثَّر الله فوائده، وعمَّ على الخلق عوائده:
يُغْبَطُ حَدُّوشِيْ عَلَى الإِقْبَالِ * مِنْهُ عَلَى الْعِلْمِ بِكُلِّ بَالِ
وَهْوَ بِغَيْرِ الْعِلْمِ لاَ يُبَالِي * وَلاَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ إِقْبَالِ
هَذَا وقد أذنتُ لِلشَّيْخِ عُمَرْ * أن يشرَحَ النَّظْمَ لِقَصْدِ مُعْتَبَرْ
فاشرح نظاميَ بكل حال * فالشرح منك للنظام حالي
أي: حلية فيه جناس.
توفي ليلة الجمعة 18 ربيع الأول سنة: (1444هـ)، الموافق: 14 اكتوبر 2022م.

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: