1

الاستقالات الكبرى.. أكبر تحد يواجه قطاع التكنولوجيا في التاريخ

أظهرت دراسات القوى العاملة الحديثة في جميع أنحاء آسيا وأوروبا والولايات المتحدة تحولا كبيرا في مواقف الموظفين تجاه العمل، والتي تفاقمت بلا شك بسبب جائحة كورونا والأزمة التي سببتها في شتى أرجاء العالم.

و”الاستقالة الكبرى” (the Great Resignation) هو مصطلح ولد في الولايات المتحدة، ويستخدم للتعبير عن هذه الديناميكية الجديدة، فبعد كل شيء، وحسب ما ذكرت شبكة “سي إن إن” (CNN)، فقد ترك 47.4 مليون موظف عملهم طواعية العام الماضي، وهو رقم مذهل بكل المقاييس.

ووفقا لتقرير صدر عن وزارة العمل الأميركية مؤخرا، فقد استقال ما يقرب من 4.3 ملايين شخص من وظائفهم في يناير/كانون الثاني الماضي فقط، وهو ما يشكل نحو 3% من مجموع القوى العاملة في الولايات المتحدة، وخلال العام الماضي، استقال أكثر من 3.98 ملايين عامل في المتوسط من وظائفهم في كل شهر.

قطاع التكنولوجيا يعاني أشد المعاناة
وقد بدأ قطاع التكنولوجيا يعاني أشد المعاناة من هذه الظاهرة ليس في أميركا فحسب بل على مستوى العالم أجمع، وهو بالتأكيد أحد أكثر التحديات التي تؤثر على صناعة التكنولوجيا في الوقت الحاضر، وهناك خبراء ومراقبون كثيرون يرون أن هذه هي البدايات فقط، حيث إن نحو 75% من العاملين في مجال التكنولوجيا قد غيروا وظائفهم بالفعل العام الماضي فقط.

وهناك عدة عوامل تقف خلف “الاستقالة الكبرى”، وتشمل زيادة طلب الموظفين لساعات عمل أقل، ومزيدا من المرونة في العمل، وشعورا واسع النطاق بين هؤلاء الموظفين بالتعب والإرهاق بعد سنتين من العمل الشاق، كما ذكرت منصة “فوربس” (Forbes) في تقرير لها قبل أيام.

ومن الواضح أن جائحة كورونا وتداعياتها كانت تجربة مريرة غيرت حياة العديد من الأشخاص في شتى مناحي الحياة. ومع ذلك، فإن التحول المفروض إلى نموذج عمل أكثر مرونة وتعديل أولويات الأفراد قد أيقظ موقفا ووعيا جديدا لدى القوى العاملة، وأثار حذرا لدى العديد من أصحاب العمل.

شركات التكنولوجيا مجبرة على تقديم نماذج عمل جديدة ترضي الموظفين (شترستوك)
تغير قواعد اللعبة
ولكن ما الذي يجب على شركات التكنولوجيا فعله من أجل الحفاظ على موظفيها أولا واستقطاب المواهب الجديدة ثانيا، وذلك لمواجهة التحدي الذي تفرضه موجة الاستقالات الكبرى هذه؟

ستيف رينجر، مدير تحرير شبكة “زد نت” (ZDNet) حاول الإجابة عن هذا السؤال ضمن مقالة له نشرتها الشبكة مؤخرا.

ويؤكد الكاتب أن على أصحاب العمل والشركات عموما، والعاملين منهم في قطاع التكنولوجيا خصوصا أن يتذكروا أن قواعد اللعبة قد تغيرت، فقد أجبرت الأحداث التي وقعت في العامين الماضيين المؤسسات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة على حد سواء على وضع التحول الرقمي في صميم إستراتيجياتها، وهذا يعني أن ديناميكيات وآليات تعيين موظفي التكنولوجيا قد تغيرت للأبد.

ويستعرض الكاتب بعض البيانات الهامة التي يجب مراعاتها في هذا السياق، ومن أهمها:

ثلثا العاملين في مجال التكنولوجيا إما يبحثون بالفعل عن وظائف جديدة أو أنهم منفتحون على الانتقال للعمل في شركات أخرى. 3 أرباع العاملين في مجال التكنولوجيا الذين غيروا وظائفهم بالفعل العام الماضي حصلوا على عرضي عمل آخرين من شركات منافسة على الأقل. يوجد بالفعل 2.5 مليون وظيفة مفتوحة في مجال الأمن السيبراني في جميع أنحاء العالم، وقد يستغرق الأمر شغل سكان مدينة بأكملها بحجم مدينة شيكاغو لملئها.

السؤال الكبير الآن -كما يؤكد الكاتب- هو كيف يستجيب أصحاب الشركات والمديرون لهذه التغييرات، حيث يتمتع الموظفون التقنيون على وجه الخصوص بقدرات تفاوضية أكبر بكثير مما كان سابقا، وهو الشيء الذي قد يشجع (أو يُجبر) بعض الشركات على تغيير سياساتها لجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بهم.

وهذا يعني زيادة التركيز على رفاهية الموظفين وتمكينهم حول كيف ومتى وأين يعملون.

كل ما يجب معرفته عن ترك العمل بسبب مشاكل نفسية
خلال العام الماضي 2021، استقال أكثر من 3.98 ملايين عامل في المتوسط من وظائفهم في كل شهر (شترستوك)
نموذج عمل جديد محوره الإنسان
وقد وصف بعض المراقبين والمحللين هذا الأمر بأنه ظهور “نموذج عمل محوره الإنسان” وهو ما قد يجعلنا نتساءل عن محور نموذج العمل السابق في جوهره: هل كانت الأرباح فقط هي ما كان يهمهم وذلك بغض النظر عن حاجات وراحة الموظفين والعاملين لديهم؟

ستتطلب هذه الظروف والتغيرات في العمل من شركات التكنولوجيا تقديم نماذج عمل جديدة ترضي الموظفين، مثل العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع، أو العمل عن بعد، ولكن هذا قد يتناقض مع ضرورة ملحة تراها كثير من الشركات حتمية لا بد منها وهي: العودة إلى المكتب، كما يقول رينجر في مقالته.

وإذا تمت إدارة التوتر بين هذين المطلبين بشكل سيئ، فيمكن أن يمنح بسهولة الموظفين -وبالذات هؤلاء الموظفين التقنيين الذين لديهم الكثير من الخيارات- فرصة أخرى للانخراط في حركة الاستقالات الكبرى التي تؤرق كافة المديرين والرؤساء العاملين في القطاع.

وينتقد الكاتب بعض المديرين وأصحاب العمل الحريصين جدا على إعادة عمالهم وموظفيهم إلى المكتب بدوام كامل، لأنهم يعتقدون أنها الطريقة الأكثر فاعلية لإنجاز المهام، وهذا أمر مفهوم، ولكن من المحتمل ألا ينجح اتباع هذا النهج مع الجميع.

وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف يتم تنفيذ هذه الإستراتيجية، وعلينا أن نتذكر هنا أن موظفي التكنولوجيا المنهكين بعد سنتين من العمل الشاق والمرهق لن يكونوا سعداء للعودة إلى العمل من المكاتب، لا لشيء ولكن فقط لإرضاء الرؤساء وأصحاب الشركات الذين يريدون تحقيق أقصى استفادة من عقاراتهم باهظة الثمن.

دروس وعبر
ويشير رينجر إلى أن بعض الشركات الأخرى تتبع نهجا أكثر دقة وشفافية، وتسمح للموظفين بالعودة للمكتب بوتيرة أبطأ، ويقر المديرون الأكثر حكمة بأن العامين الماضيين قد أظهرا لنا الكثير من الدروس والعبر، ففي حين أن المكتب مفيد لبعض الأشياء، فإن الجمع المدروس بين العمل وجها لوجه في المكتب، والعمل عن بُعد عبر الإنترنت يمكن أن يجعل الموظفين والشركات أكثر إنتاجية وأكثر سعادة.

ولنتذكر أن هناك طلبا هائلا ومتزايدا على العاملين في مجال التكنولوجيا في الوقت الحالي، لذلك يجب على مديري التوظيف أن يفكروا بجدية أكبر في احتياجات هؤلاء الموظفين الذين يريدون استقطابهم للعمل في مؤسساتهم، والعمل على راحتهم وتحقيق تطلعاتهم ما أمكنهم ذلك.

والرؤساء الأذكياء سيفكرون في جميع موظفيهم بالطريقة نفسها، خاصة إذا كانوا يريدون الاحتفاظ بأفضل الموظفين لديهم، أما أولئك المديرون والرؤساء الذين يصرون على العودة الصارمة إلى المكتب فهم لا يبدون أي فهم لكيفية تغير العالم من حولهم، وسيندمون على ذلك في القريب العاجل.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

%d مدونون معجبون بهذه: