سجالات

بعد عودته لقيادة العدالة والتنمية.. هل ينجح بنكيران في إحياء مشروع إسلاميي المغرب؟

بعد سنوات خمس أمضاها في بيته، مُطِلًّا بين الفينة والأخرى على مُتابعيه ومُحبيه ومُؤيديه من صالة منزله عبر فيسبوك، عاد “عبد الإله بنكيران”، الأمين العام القديم الجديد لحزب العدالة والتنمية، إلى الساحة السياسية من جديد بعد أن أنهى سلفه “سعد الدين العثماني” ولايته على رأس الحزب بهزيمة مدوية في الانتخابات التشريعية المغربية التي أُجريت يوم 8 سبتمبر/أيلول الماضي.

لا تَعِد عودة بنكيران على رأس حزبه بتغييرات كثيرة داخلية فحسب، بل سيكون لها دون شك تأثير مهم على الساحة السياسية المغربية التي تفتقد في الوقت الحالي الشخصية المعارضة ذات الوزن الثقيل، بعد أن فشلت الانتخابات الأخيرة في إفراز معارضة قوية إثر دخول الأحزاب الثلاثة الأولى في تحالف حكومي متين.

محاولة إنقاذ حزب ينهار

لم يُشكِّل تراجع حزب العدالة والتنمية صاحب الخلفية الإسلامية مفاجأة لمراقبي الشأن السياسي الداخلي في المملكة المغربية، فقد استهلك الحكم لعقد كامل إخوان سعد الدين العثماني وأكل رصيدهم، بيد أن أحدا لم يتوقَّع أن يكون السقوط مدويا بهذا الشكل. فما تعنيه هزيمة العدالة والتنمية بالنسبة إلى كثيرين كان الحلول ثانيا وراء التجمع الوطني للأحرار، الذي شحذ جميع أسلحته الانتخابية للفوز بالانتخابات الأخيرة، ولكن ليس أن يفقد الإسلاميون 90% من مقاعدهم دفعة واحدة.

لطالما نُظِر إلى العدالة والتنمية في العشرية التي سبقت الربيع العربي بوصفه الحزب الذي تميَّز بالجاهزية التنظيمية، والأهم من ذلك الاستقلالية عن وزارة الداخلية، إلى جانب ما امتلكه من فريق برلماني منضبط. وتمكَّن الحزب بفضل هذه المعطيات، وأمور أخرى مثل خلفيته المحافظة، من الوصول إلى كتلة مُصوِّتة شبه مستقرة من الطبقة المتوسطة. وقد عُدَّ الحزب أيضا البديل القادم لعدد من الأحزاب التقليدية التي تناوبت على رئاسة الحكومة المغربية منذ استقلال البلاد، لا سيما وقد بلغت ثقة المواطن في الأحزاب السياسية القديمة مستوى متدنيا أثناء الاستحقاقات الانتخابية لسبتمبر/أيلول 2007، إذ بلغت نسبة المشاركة 37% فقط. (1)

يُقسِّم “عبد الرحمن علال”، الباحث المغربي في شؤون الحركة الإسلامية، مراحل المشاركة السياسية لحزب العدالة والتنمية في ورقة بحثية له إلى ثلاث مراحل مختلفة، مرحلة أولى امتدت بين سنتَيْ 1997-2007 تمكَّن خلالها الإسلاميون من مضاعفة عدد مقاعدهم في البرلمان المغربي، إذ تحصَّلوا على 46 مقعدا بعد أن بدأوا المشاركة السياسية بـ 9 مقاعد فقط. وقد استطاع العدالة والتنمية وضع أسسه التنظيمية وصياغة توجُّهه الأيديولوجي والسياسي في تلك المرحلة، التي سيعتمد عليها في معاركه السياسية القادمة. (2)

ثم انطلقت المرحلة الثانية مع وصول رياح الربيع العربي إلى بلاد المغرب، وإن لم تكن الرياح بالشدة التي عرفتها عواصم عربية أخرى. وقد استغل الحزب ابتداء من 2011 الوضع السياسي الجديد كي يصل إلى الحكم، ورغم الإكراهات الكبيرة التي عاشها الإسلاميون المغاربة، مع انهيار بعض التجارب الإسلامية في المنطقة بدءا من عام 2013 إثر استعادة الثورات المضادة بعضا من عنفوانها، فإن الحزب فاز بولاية ثانية سنة 2017 واكتسح المدن الكبرى في الانتخابات الجماعية، فترأس الإسلاميون بأغلبية مريحة الدار البيضاء والرباط وسلا ومراكش وفاس وطنجة وأكادير.

لكن هذا المنحنى المرتفع أخذ يهبط في المرحلة الأخيرة، التي أُسدِل عليها الستار مع خروج الحزب بـ 13 مقعدا فقط في انتخابات هذا العام، وهو هبوط حاد كانت له مؤشرات عدة سابقة، أبرزها على الإطلاق إعفاء بنكيران رجل الحزب القوي من مهام تشكيل الحكومة بعد فشله في التوصُّل إلى اتفاق مع باقي الأحزاب. وقد كان لهذا الإعفاء صدى داخلي قوي، إذ وقف خلف الأمين العام السابق عدد كبير من الأتباع داخل أسوار العدالة والتنمية، ولم يتفقوا مع الطريقة التي دبَّرت بها القيادة الجديدة بقيادة العثماني المرحلة التي تلت إعفاء بنكيران، وذلك بعد أن قبلت دون قيد أو شرط جميع مطالب الأحزاب الأخرى وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار الذي وافقت على مشاركته في الحكومة.

حاول الحزب احتواء الانقسام عبر تنظيم حوار داخلي ناقش مرحلة ما بعد بنكيران، لكن كل هذه المحاولات لم تُقدِّم أي جديد، وفي النهاية، دخل الحزب جريحا بسكين الحكم، مُنهكا من الانقسامات الداخلية، إلى استحقاق انتخابي انتهى بمفاجأة انتزعت آهات العدو قبل الصديق، وبهزيمة أعادت إلى الأضواء اسم عبد الإله بنكيران، الذي لم يرحل خياله عن مقر الحزب بحي الليمون في الرباط، إذ واصل من منزله التعليق على النوازل السياسية التي حلَّت بالحزب منذ تركه رئاسة الحكومة، حاصدا آلاف المتابعات لتعليقاته. (3)

الوسوم
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: