مقالات

مع القرآن لفهم الحياة (8) /  المرابط ولد محمد لخديم

ولا يمكن أن يحفظ القرآن ويفهم وبالتالي يفهم الإسلام وينتشر ويسود بغير لغته الأصلية التي نزل بهاوالتي وصفت في آيات منه:

﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾(31)، ﴿لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين﴾(32)، ﴿إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾(33).

إذن فالقرآن كله عربي ولو اشتمل علىغير اللغة العربية لكان مخالفا لهذه الآيات، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدأرسل بغير لسان قومه، والقرآن يطلق على مجموعه وعلى جزء منه، فلو كان جزء منه غيرعربي لما كان من القرآن، وأيضا فإن الله تعالى يقول:

﴿ولوجعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته﴾(34) فنفي أن يكون أعجميا(35).

وأمااشتمال القرآن على ألفاظ مأخوذة من اللغات الأخرى كاشتماله على لفظ”المشكاة” وهي لفظة هندية وقيل حبشية وهي الكوة، وعلى لفظ”القسطاس” وهي رومية ومعناها الميزان، وعلى لفظ الإستبرق” ومعناهاالديباج الغليظ، وعلى لفظ (سجيل) ومعناها الحجر من الطين وهما لفظتان فارسيتان فإنه لا يكون بذالك مشتملا على كلمات غير عربية لأن هذه الألفاظ قد عربت فصارتمعربة، فهو مشتمل على ألفاظ معربة لا على ألفاظ غير عربية. واللفظ المعرب عربي.كاللفظ الذي وضعته العرب سواء بسواء. والشعر الجاهلي قد اشتمل على ألفاظ من قبيلأن ينزل القرآن مثل كلمة (السجنجل) بمعنى المرآة في شعر امرئ ألقيس وغيرها من الكلمات عند كثير من شعراء الجاهلية. والعرب كانوا يعتبرون اللفظة المعربة عربية كاللفظة التي وضعوها سواء بسواء.

فالتعريب هو صوغ لكلمة الأعجمية صياغةجديدة بالوزن والحروف حتى تصبح لفظة عربية في وزنها وحروفها…

فهذا القرآن إذن أنزل بلسان عربي مبين ولا مجال إلى فهمه إلا من حيث يفهم الكلام العربي فأساليبه عربية، ومفرداته عربية، وألفاظه عربية.

وهذا ماعبر عنه أبو إسحاق ألشاطبي بقوله:” إن هذه الشريعة المباركة عربية، والله تبارك وتعالى صرح بأن الحكم في الإسلام حكم عربي، كما قال تعالى في سورة الرعد:

﴿ وكذالك أنزلناه حكما عربيا﴾(36) ومعنى هذا أنه حكم نزل بلغة العرب ويجب أن لا يحاول فهمه إلا من حيث يفهم كلام العرب بدلالات كلام العرب…

ان نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وما نجم عن ذالك من تقديس المسلمين للغة العربية كتقديسهم للقرآن . وتقديس المجتمع لشيء من الأشياء يتطلب بالضرورة فهمه والمحافظة عليه. وهكذا ارتبطت اللغة العربية ارتباطا قويا بالإسلام لأنها مفتاح فهم العقيدة الدينية، ووسيلة المحافظة عليها ما بقي لهذه العقيدة معتنقون في المجتمع. ومهما يكن من أمر فإن اللغة العربية ما كان لها أن تبرح الجزيرة العربية، ولا أن تكتسح الأقطار المجاورة شرقا وغربا، وتنتشر فيها، وتؤثر في لغاتها، أو تحل محلها بالسرعة والكيفية التي عرفها صدر الإسلام، لولا أنها كانت لغة القرآن، ولغة فهم الدين الجديد، فالإسلام كان دفعا جديدا لرقي اللغة العربية وجاء هذا الدفع على يد القرآن نسقا جديدا في التعبير إلى جانب الشعر والنثر، وكان القرآن الرابطة الأقوى بين اللغة والدين، فما يقوله القرآن يصبح القاعدة والمعيار حتى وإن لم يكن للعرب عهد به…..يتواصل..

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: