مقالات

أولى الأولويات “انهيار المدرسة العمومية خطر يُهدِّدُ الوحدة الوطنية ولذا فهو أوْلى الأوليات”.

أولى الأولويات
“انهيار المدرسة العمومية خطر يُهدِّدُ الوحدة الوطنية ولذا فهو أوْلى الأوليات”.
فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.

كان جو اللقاء أريحيا ومداخلاتنا صريحة وشاملة. تناولتْ جميع المشاكل التي ظلت تعاني منها الدولة خلال العقود الثلاثة المنصرمة حيث عانينا جميع المآسي من أجل موريتانيا في صفوف أعرق أحزاب المعارضة، “التكتل”، بجانب رجل مدرسة في الأخلاق والشهامة والاستقامة على المبادئ…غني عن الذكر: أحمد ولد دادّاهْ.

وعندما بدت الآفاق مسدودة ونفد ما كان معَنا مِن أمل، أطل علينا النبأ العظيم بالترشح الميمون: محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن قراره بالترشح للرئاسيات خلال خطابه التاريخي أمام آلاف الجماهير في ملعب العاصمة.
بعد فترة وجيزة، وفي خِضَمّ حُمّى الترشحات، ومن خلال مشاورات انفرادية مع أعضاء عدة في المكتب التنفيذي للتكتل، اتفقنا أن خلاص موريتانيا في الفترة الحالية هو الالتفاف حول المترشح محمد ولد الغزواني.
أثارت تلك المواقف في نفسي فكرة التنسيق بين أصحابها، فأخذت المبادرة ودعوتهم للاجتماع. واقترحنا الأستاذ محمد محمود ولد أمات نائب رئيس الحزب، رئيسا لتيار: التجمع من أجل الوطن، الذي أعلنّا تأسيسه لِما نعرف فيه من حسن أداء في تسيير الحزب وحنكة سياسية ووطنية.
ترتب اللقاء مع المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني، وكانت ردوده على العروض التي أشرنا إليها سابقا تنحو محورَيْن أساسييْن: تعقيب على المداخلات، وتصور للحلول في أهمِّ مجالات حياة الأمة: العدل، السياسة، الإصلاح الإداري، التعليم، الصحة…إلخ.
كان مِن بين الردود التي اتسمت جميعها بالواقعية وعمق النظر وسعة الاطلاع على القضايا الوطنية، وحسن تشخيص الاختلالات التي تنخر جسم المنظومة المؤسسية في جميع قطاعات الدولة، كان مِن بين تلك الردود فكرة لم يسبق لي أن سمعت أحدًا يتطرق إليها داخل صفوف المعارضة أو أن تخطر على بالي رغم تجربتنا الطويلة في تشخيص وتدارس المشاكل الجوهرية التي يعاني منها البلد جراء سوء التسيير والاستبداد.
قال المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني بالحرف:
<< إن مشكلة المدرسة العمومية لا تكمن في كونها مفلسة فقط، بل القضية أكبر من ذلك وأدهى وأمرّ! فالتعليم اليوم في موريتانيا يمثل خطرا حقيقيا على الوحدة الوطنية بحيث أن أقل من عشرة بالمائة من أبناء موريتانيا، عشرة في المائة فقط، يحظون بحق التعلم لأن ظروف آبائهم المالية تسمح لهم بالمتابعة في التعليم الحر. أما البقية الأخرى (تسعون بالمائة) من بني وطنِنا وهي حظ المدرسة العمومي فهم يعيشون الحرمان من أهم الحقوق الأساسية للإنسان: ألا وهو التعليم. ليس لشيء سوى أن ذويهم أصحاب دخل ضعيف. وهذا لا يعني بالمرة موقفا سلبيا مني تجاه التعليم الخصوصي بل العكس؛ فسأشجعه بالتكوين والقروض الميسرة لِما يُسهم به من امتصاص للبطالة وإنعاش الحركة الاقتصادية. لكن اهتمامي في أوْلى الأولويات سينصبُّ على النهوض بالمدرسة العمومية كما وكيفا حتى يختارها الموسرون لأبنائهم نظرا لجودتها >>. انتهى الاقتباس.

لقد فاجأتني هذه الملاحظة وتملّكتني من اللحظة ولا تزال تؤرقني من شدة عمقها ومطابقتها للواقع حتى الآن.
فنتائج الباكلوريا اليوم (8 بالمائة) ليست إلا تعبيرا مُصدِّقا لتعقيب الرئيس المرويّ أعلاه؛ وصادقا عن تراكمات الممارسات الملتوية التي ظلت سنة تُتّبعُ وتقليدا أشبه بالدين عند المسؤولين عن العملية التربوية منذ التسعينيات وحتى يومنا هذا. وتتمثل هذه الممارسات في تشويه صورة المدرسين من طرف المسؤولين عن القطاع في تصريحات رسمية، وسوء معاملة، وسلب الحقوق موازاة مع القيام بحملات كرنفالية باهظة الفواتير من خلال أسابيع تكوينية وورشات عديمة النتائج حتى على المستوى الدعائي! لأنها ليست إلا محاولة يائسة لتضليل الرأي العام عن مكمن الأزمة الكارثية التي كان يعيشها قطاع التعليم ولا يزال. وقد عَـبَّـر عنها بجدارة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال لقائنا معه منذ سنتيْن ونيف في بداية حملته الانتخابية.
فأين مكمن المعضلة إذًا وما هي حلولها؟ سؤالٌ غني عن الجواب لأن الجميع يعرفه، لكن لا حياة لمن تُنادي.
فكيف نقوم بأي عملية تنموية (أو تخريبية!) بدون الانسان؟
هذه مُسلّمة لا يمكن بأي حال تجاوزُها: وهي أن المصادر البشرية هي العمود الفقري لإنجاح أي مشروع تنموي لاسيما الإصلاح التربوي.
فكيف نبني منظومة تربوية ناجحة بأناس نزدَريهم ونعمل على تشويهِهم لدى الرأي العام ونُبقيهِم في ظروف مادية مُزرية، في الوقت الذي نُخصص لهذا القطاع عشرات المليارات لتُنفق في بُـنَـيّاتِ طريقٍ تشي بإرادة عدائية للمصلحة الوطنية وإصرار على إفشال مشروع الرئيس الإصلاحي. عادةٌ أصبحت دين المسؤولين منذ التسعينات إلى اليوم؛ زد على ذلك تدوير هؤلاء مُفسدي الحقب الماضية في مراكز القرار والخطط الإصلاحية.
إن برنامج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي ينم عن نية حسنة وإرادة صادقة ونظرة شاملة شتى مجالات الحياة قد تلقفته وصادرَتهُ مجموعة تربت وترعرعت وتحصنت في عقود الاستبداد والنهب الثلاثة الماضية، ولا تزال تستحوذ على جميع مرافق الدولة بأسلحتها الدعائية الفتاكة، وتنبذ كل إرادة وطنية وإصلاحية أرادت الولوج إلى مراكز القرار، وتوصد الأبواب أمامها.
خلافا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فإن أولى الأولويات عند هذه الجماعة التي تستحوذ على كل شيء هو الاستحواذ على كل شيء!

سيدي محمد ولد حبيب.
أستاذ بمدرسة تكوين المعلمين بانواكشوط، عضو المجلس الوطني للاتحاد من أجل الجمهورية.

الوسوم
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: