مقالات

عن الشاعر… لكن…بِهُــدُوءْ…/ ناجي محمد الامام

تبرز هذه الأيام ،مسألةٌ مهمة ،طافيةً على سطح الأحداث ، يجري الإعراب عنها بمواقف حادة.
وعلى عادتنا فى استخدام اللونين القطعيّيْن، و فرز الفسطاطين المتخاصمين أفقيا. رغم أن الموضوع ، هذه المرة،يتمحور حول (الشاعر و الحكم) ،وموقف الأول من الثانى :و بدا أن كل طرف قد حرر حكمه ونفذه ،لدرجة أن النقاش أضحى بيزنطيا،لا تُرجى منه فائدة.
ومع هذا يتواصل، حادا كأسنة الرماح، في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ..
الآن…فى هدأة المساء المصطاف…
وقد فتحتُ نوافذي على الأطلسى دون حائل، وأصختُ ،فلم أسمع إلا ضوضاء محركات تبتعد إلى نواذيبو أو تقترب عائدة منه ، يخالطها بلطف،قليل من دندنة ابن عوة في حكاياته البتيتية الشجية دون”شبح”، تنساب من ركن قصي،وجدتُ أنه علىّ أن أبديَ رأيا لا يلزم سوايَ،أرجو أن أوَّفَّق في إيصاله لمن يوافقه بلطف، ومن يخالفه بعطف…
أبدأ بالقول:
من هو الشاعر؟ حقيقةً..
*إن الشاعر كيان بشري يحمل شحنات عالية الإدرار من العواطف والمشاعر شديدة الانشطار لا يقاس بغيره ولو كان من طينته، وهو ،فوق ذاك، صاحب موهبة و علم،كأي صاحب موهبة وعلم، يعتريه ما يعتري غيره من ضعف له أسبابه، وقوة لها مسبباتها.يتدرج صعودا أو هبوطًا بغض النظر عن الميزتين، وبرغمهما ،أحيانا كثيرة،لسبب وَجيهٍ يتيم هو أنه بشر معرض لشرور النفس و نوازعها..
* الشاعر عند الناس؟
لكن الناس كل الناس يريدونه ،إما إلـَهًا ،أو شيطانًا، وهذا لن يكون، لأنه عندنا يترنح بين مفهوميْ”القوال التروبادور” و”شاعر القبيلة” الذي ينافح عنها بالحق أحيانا و بالباطل ،أغلب الأحيان .
*الشاعر في “ساكسونيا”
وحتى التعريف الثالث،لا يصلح لأنه مخالف لحقائق الأشياء.
سأحكيه لطرافته،فمقاطعة ساكسونيا الآلمانيةالشهيرة بثرواتها وتاريخها الفكري كان قانونها في التاريخ الوسيط يقرر أن الشاعر ليس كائنا بشريا، بل هو (ظلال فكرية) .واعتبارا لهذا ،فعندما يكون شاعرٌ ماَ، فى حالة مساءلة قانونية ، امام القضاء،فإنهم لا يحاكمونه كشخص بل يحاكمون ظله، ولا تطال العقوبة جسده…
*أما الشاعر كما يجب أن يُتفهَّم:
فهو أن الشاعر في،حقيقته مبدعٌ ، ونادراً ما يكون حامل رسالة أو مشروع مجتمعي، وفى الحالتيْن فتجب معاملته على أساس اختياره، كأي مواطن آخر، بمعنى أنه ليس ملزما إلا بما يعتنقه من أفكار.
هكذا كان المتنبي مداحاً و قدَّاحا، رغم تناقض حِكَمِه البالغة و رسالته السرية التى كان يحمل بين جنبيه، مع احتراف النفاق. وقد كان أبو فراس حسوداً نماما ،مكارا ،وافر الكيد للمبدعين أمثاله…
كما كان بيكاسو ثوريا إسبانياعظيما خلد مذبحة الغرنيقة فى لوحة باهرة ،لا تقدر بثمن فى متاحف العالم، كان مواطنُه سلفادور دالي العبقري ذو الشاربين المعقوفين ،باذخَ الفن، مَلَكيا أكثر من فرانكو.
*للشاعر حرية الموقف
لكننا،بتأثير من حركة التحرر العالمية و الميراث الحركي لأسماء معينة، أردْنا أن نفرض على المبدعين أن يكونوا جميعا أصحاب مواقف تستجيب لأمزجتنا، معارضين و موالين، وهذا مخالف لطبيعة الأشياء، إذْ لكلٍّ الحق في أن يكون حيث يقتنع أو يشاء، وليس لأحد أن يحاكمه على ذلك، فكما يوجد مبدعون فى صف الحاكم، ولهم مطلق الحق، فلمبدعين آخرين مطلق الحق في ان يعارضوا، وليس الموقف عيبا بل مظنة شجاعة واستقلال..
*الثبات على الخيار
وتبقى المسألة الأجدر بالإهتمام هي محاكمة المبدع على ضوء الإستمرار فى الموقف الذى اختاره، والإتساق معه لأنه مقياس تجذر القناعة و مسبار الصلابة فى الرأي والإستقامة طبقا للمبدإ، والعيب كل العيب ممالأة الحاكم أو المعارضة دون قناعة أو ثبات…
وقديما قال الشاعر :
[وما المرءُ إلا حيث يجعل نفسه”” ففى صالح الأعمال نفسك إجعل..]

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: