1

ضد الخوف الكبير / البروفسور حماه الله السالم

 

هناك خوف كبير يسكن قلوب الموريتانيين، جميعا، على اختلاف مشاربهم السياسية والفكرية والاجتماعية، هو خوف من المستقبل، يجعلهم ينفرون من “العدل” ويخشون الإصلاح، ويعارضون التغيير، بل يعتبرون أية دعوة إلى تلك المثل العليا نذير شر مستطير تفتح عليهم أبواب جهنم!
يقينا للتاريخ دوره في تلك الحالة الغريزية، ولذلك لن يستطيع أي كان مهما كانت حكمته ونضاله أن يغير وضعا بنيويا مستحكما منذ قرون.
لكن يمكن فهم تلك الظاهرة وتحليل جذورها العميقة والظرفية، وتلمس جوانبها المتغيرة القابلة للكسر والتعديل.
لقد خضع أهل هذه البلاد لظروف قاسية وعنيفة ومميتة، صنعها القحط والجوع والغزو والوباء، وهي دورة عشْرية، استمرت أزيد من ألف سنة، رسخت في نفوسهم الخوف من الغد والخشية من القادم والرعب من المجهول.
ولذلك ما يزال الموريتانيون يخشون الغد، وليس المستقبل ، لأن هذا الأخير ليس في ثقافتهم مطلقا، وقد حلّ محله انتظار للنهاية كلما دهمتهم خطوب ومحن وكوارث تُجاوز صبرهم وتفسيرهم.
ولذلك فإن الزمان يذوب في الصحراء، حيث لا معنى له، لأن الزمان الطبيعي لا يتحول إلى وجود خارجي عن الروح والنفس، ويتم تعقّله، وإدراك تميزه عن النفس والبدن، إلا بالتدخل فيه و “تعديله”، بصنع الأحداث والتأريخ لها، والوعي بها، ما يمكّن العقل من احتواء السيرورة التاريخية، والوعي بها والتمييز بين مساراتها والإفادة من التجارب في كل مرحلة. ولذلك فإن الشعب الذي لا يمتلك ذاكرة خصيبة، يعجز عن الإفادة من تجارب التاريخ، ما يجعله فريسة سهلة للسقوط في الخيارات القلقة.
الخيارات القلقة
كلما ضمُرت الممارسات العقلانية برزت الخيارات القلقة، وحيثما تراجع دور العقل والمنطق والمسؤولية، طغى تأثير البدائية والأنانية.
ولذلك بات الموريتانيون يرْضون باليسير، ليس من باب القناعة، بل خوفا مما يأتي مع القادم المجهول، ويحرصون على التشبّث بما يعرفون حتى ولو كان خاطئا، لأنهم لا يجدون عنه بديلا، وهم أيضا يتعلّقون بما يألفون بحكم (سُلْطان العادة) وهو شديد الوقْع على النفس والبدن.
المجتمعات كلها تخشى التغيير والتحول، لأنها لا تعرف ما سيؤدي إليه، وهي نزعة إنسانية غلاّبة، لكنها تتفاوت حسب كل قوم وأرض وشعب ووطن

%d مدونون معجبون بهذه: