خاص بالسياسيزعماء وقادةمقالات

*أحمدُّو بابَ بن بودربالة الباركي المحمودي (1932م- 2008م) : داعية تمدرس البنات وتعلّم اللغات بموريتانيا !*   بقلم : احمد بزيد بن محمد محمد فاظل .  

*أحمدُّو بابَ بن بودربالة الباركي المحمودي (1932م- 2008م) : داعية تمدرس البنات وتعلّم اللغات بموريتانيا !*
 
بقلم : احمد بزيد بن محمد محمد فاظل .
 
اسرد حديث الصالحين وسمهم
فبذكرهم تتنزل الرحمات
واحضر مجالسهم تنل بركاتهم
وقبورهم زرها إذا ما ماتوا
ليس أحب إلى النفس من ذكر الصالحين و الأولياء العلماء المتقين إحياء لمآثرهم وذكرهم الجميل.. و اقتباسا من أنوارهم وأسرارهم في السير إلى سواء السبيل.. ولقد حاولت في هذا المقام التعريف بأحد أعلامنا الكرام من الصلحاء العظام والمربين الأعلام : إنه العالم الجليل والشاعر النبيل أحمدو باب بن بودربالة الباركي.
تتناول هذه الورقة جوانب من حياة الرجل العلمية والأدبية وتفاعله مع المشكلات  والمستجدات الاجتماعية وتآليفه العَلية في الثقافة والأدب والتاريخ والمجتمع البيظاني.
1. نسبه ونشأته وبيئته :
هو  الشيخ العارف، و المربي الناصح، والعالم الراسخ، والشاعر والمؤرخ: احمدُّو باب بن عبد الله العتيق الملقب بودربالة بن محمد الامين بن البخاري بن محمد بن محمود بن عبد الله بن بارك الله بن احمد بزيد .
وأمه : أم الخير بنت حيلاهي بن العتيق بن حيلاهي بن محمد محمود بن عبد الله بن بارك الله بن أحمد بزيد .
ولد سنة 1932م بقرية أنيفرار (و أنيفرار بئر لأولاد ديمان)، في بيت علم وورع وتصوف، فوالدته أم الخير كانت مشهورة في عصرها معروفة بالولاية،  وقد أخذت الورد الشاذلي عن الشيخ محمد سالم بن آلما، وكذلك كان شأن والده في الصلاح والولاية مشهودا له بالفتح الرباني والقطبانية ، تتلمذ على الولية الشهيرة آمنة بنت يوسف، و الشيخ باب بن حمدي، وسبب تلقيبه بـ ”بودربالة” أن الشيخ باب أرسل ملبسا من ملابسه العتيقة (دربالة) إلى الولية الصالحة آمنة بنت يوسف، وأمرها أن تعطيه لمن يأتيها من أهل محمد الامين بن البخاري، فجاءها صدفة عبد الله العتيق، فأعطته إياه وسمته : ”بودربالة ”، فاشتهر بها كتسمية صوفية.
وقد حدثتني ابنته الفاضلة الأستاذة عتيقة بنت أحمدو باب أنه  تربى في هذا البيت الصوفي، وأتم حفظ القرآن على يد شيخين من قبيلة ”تاگونانت كانا يدرّسان في ”لفريگ” ، وبدت عليه ملامح النبوغ منذ صغره، حيث كانت والدته حين تعرض عليه بعض أحوال الصوفية يُبدي فهمها واستيعابها، ويذكر لها ما يدل عليها من الشعر الحساني ”لغن”، فيستغربون منه ذلك، حتى أن الشيخ محمد سالم بن آلما كان يقول لها ” اطْفِلْ فاهِمْ”، في إشارة  إلى نبوغه المبكر وقوة فهمه وعمقه .
وعن نشأة أحمدو باب وتربيته وبيئته الاجتماعية يقول محمد ولد امّينّ الخوالي اليعقوبي، ضمن تقديمه لكتاب أحمدو باب حول تاريخ وحياة أهل باركل:
 (..وقد تربى في أسرة سيادة وكرم ونخوة وعظمة وعلم وتصوف ندر أن يتحلى بها غيرهم.. وقد احتضنت تاتيلت بفرح كبير مؤلفنا فتربى بها تربية سليمة تمام السلامة.  ولاغرو ان أنجبت تاتيلت وأهلها الغر الميامين سيدا مثل أحمدو باب، إذ تعد تاتيلت معدن رئاسة وعلم وصلاح، وقد كان عبد الله العتيق ولد محمد الامين  أبو المؤلف رجلا متصوفا بكل ما في الكلمة من معنى، متخلقا بأخلاق الصوفية، مرتديا ملابسهم، ولم تكن أم المؤلف بأقل شأنا من أبيه فقد كانت أم الخير صالحة ولية..) [تاريخ حياة أهل باركل وعاداتهم ، تأليف احمدو باب بن البخاري المحمودي الباركي،تقديم محمد ولد امّينّ اليعقوبي الخوالي ص 2] توفي عنه والده وهو لما يجازو سنه التاسع عشرة، فاستفرغ جهده في  البرور بوالدته ورعايتها وخدمتها على أكمل وجه، وكان مشهودا له ببرورها غاية البرور. كما انكب على التحصيل المحظري، فكان يأتي لمحظرة أهل عدود مع والدته، وقد مكث فيها زمنا طويلا يدرس لامية الأفعال، ويجلس في حلقات تدريس لمرابط محمد سالم ولد عدود للفقه، ينصت ويدون الفوائد والأحكام الفقهية، فمكنه نبوغه وقدرته الكبيرة على الاستيعاب من تحصيل رصيد علمي مهم في الفقه وتوسعت فيه مداركه، رغم أنه لم يكن يدرسه أساسا بل كان منكبا على دراسة  اللغة العربية ،و لذلك حين أراد دراسة الفقه والتعمق فيه في ما بعد وجد سهولة في ذلك نظرا لما اكتسبه من معارف استقاها من مداومته على مجالس الفقه في المحظرة – كما  حدثتني بذلك ابنته الماجدة الأستاذة عتيقة -.
وفي محظرة أهل عدود درس الشيخ أحمدو باب على الشيخين : محمد عالي بن عدود، وابنه لمرابط محمد سالم بن محمد عالي بن عدود، وهو الذي امتدحه يوما بأبيات ، أفادني بها الأستاذ المفضال أحمد بن سيد احمد بن الخطاط حفظه الله تعالى .

يقول لمرابط رحمه الله :

الغوث أحمدو باب ندب زاهي  
من آل محمود بن عبد الله
من يلهُ عن شكر الصنيع فلم
 أكن عن شكر حسن صنيعه باللاهي
قوم تشابه شيبهم وشبابهم
في المكرمات الخرّد الأشباه
غر المنازل في النوازل ما لهم
 في النائبات إذا نزلن مباهي
فإذا هم شهدوا المشاهد كشفوا
 ظلمات مشكلها بنور الجاه
وإذا هم سجدوا لطاعة ربهم
 سجدوا بأكرم آنف وجباه
وللأبيات قصة حدثني بها أيضا السيد الفاضل أحمد بن سيد احمد بن الخطاط : مفادها أن أحمدو باب جاء أهل عدود يوما، ووجد الرجال قد سافروا إلى ”بوتيليميت”، ولم يجد غير الشيخ لبحر بن عدود، وكان مريضا، فعمد أحمدّو باب  إلى القيام بالخدمة : يسقي البقر  كل يوم.. ويحلبه..ويرعى حاله كله..رغم شدة ذلك..ولما مضى أسبوعان أو نحو ذلك مرض ثم عاد إلى الأهل ..وجلب معه أخاه احويبيب..ليعينه على الخدمة.. إلى حين عودة الرجال..
يقول أحمد بن الخطاط : ” ولشدة تواضع أحمدو باب  ونكرانه  للذات لا يذكر رحمه من هذه القصة سوى أنه  أتى أهل عدود ولم يجد غير النساء، فدرس على أم المؤمنين منت عدود الشعر الحساني (لغن).”
وفي شأن مكانته العلمية يقول لمرابط محمد سالم بن عدود أن أحمدو باب وصل إلى مبتغاه دون قراءة الكتب، وأن علمه كان علما وهبيا وفتحا من الله تعالى ويضرب لمرابط مثلا لتقريب ذلك فيقول: ”الذي قرأ الكتب حتى أصبح عالما، كمثل من أخذ الطريق حتى وصل، فيكون على علم بنقاط المياه التي فيها وأمكنة تواجد السكان، ومثال من وهبه الله العلم فهو كمن وصل إلى حيث يقصد دون أن يسلك الطريق، والرجل من هذا النوع الأخير.. ” ( راجع مقابلة مع العلامة محمد سالم بن عدود ، ضمن تحقيق كتاب لأحمدو باب بعنوان : العجالة الحسانية للمجالس الشبانية في الآداب البيظانية،تأليف أحمدو باب بن بودربالة، رسالة تخرج لنيل شهادة المتريز، تحقيق الأستاذة : الغالية منت بدي، كلية الآداب نواكشوط/2004م، ص 112 )
– قصة ” ظبية التكفاس” :
ومن ملاطفات لمرابط محمد سالم بن عدود مع أحمدو باب أيام إقامته بالمحظرة قصة ”ظبية التكفاس ”، فقد كان أحمدو باب يذهب إلى أهله يحرثون كلما حان حصاد، فيأتي ببعض الزرع إلى طلاب المحظرة، فيؤكل من غير طبخ ولا طحن، وهذا هو ”التغزاز” ويسمى أيضا ”التكفاس”.. ونفد الزرع، فأخذ أحد الطلبة الظبي ورماها، فقال محمد سالم على سبيل ممازحة أحمد باب والترفيه :
(كل الظباء من الفلا والناس
  عندي الفداء لظبية التكفاس
ما مثلها  عندي ظباء خذل
 ترعى خزامى الرملة الميعاس
لا ولا الغيد الأوانس بالضحى
  في يوم دجن غافل الحراس 
[ انظر العجالة الحسانية للمجالس الشبانية في الآداب البيظانية، تأليف أحمدو باب بن بودربالة، رسالة تخرج لنيل شهادة المتريز، تحقيق الأستاذة : الغالية منت بدي،2004، كلية الآداب نواكشوط، ص 117)
ويذكر محمد ولد امّينّ الخوالي أن أحمدو باب (مكث ثلاث سنوات في محظرة أهل عدود درس خلالها متون اللغة وتعلم فن لغن الحساني، حتى أجيز فيه من طرف محمد سالم ولد عدود:
افْلِبْتَيْتْ ازّيْتْ مَزّ   مِتْعَدَّلْ يَغيرْ 
كَاحِزلَكْ لَبّيرْ كَحْزَ   مِن كَحزِتْ لِبّيرْ
وروي عن شقيقة محمد سالم بن عدود امّيلمنين بنت محمد عالي بن عدود قولها عندما سمعت بعض انتاجه من لغن الحساني : ” لو كان سيديا ولد هدار حيا لما نسبت إليك شيئا منه ” ، وسيديا ولد هدار هو سليل أسرة أدب امتازت  بجودة لغن ، وهذا  يدل على قمة جودة النسج والابداع في صياغة المعاني) [تاريخ حياة أهل باركل وعاداتهم ، تأليف احمدو باب بن البخاري ،تقديم محمد ولد امّينّ اليعقوبي الخوالي ص 3] وفضلا عن أخذه العلم عن أهل عدود، فقد نهل  أحمدّو باب أيضا من محظرة محمد الامين ولد أحمد فال ”الّللّاوْ” الباركي ودرس عليه رسالة ابن أبي زيد القيرواني، والعاصمية (تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام لابن عاصم الأندلسي).
وهكذا تشكلت وبرزت شخصية أحمدو باب الفقيه فصار مرجعا للفتوى في الأحكام الشرعية، و بزغ نجمه في المجالس العلمية – كما تذكر ابنته الفاضلة الأستاذة عتيقة –  يناقش العلماء ويطارحهم الآراء الفقهية، في نبوغ ظاهر وحضور باهر يتفاجأ معه أقرانه في التحصيل من أمثال الشيخ ياب بن محمادي والشيخ محمد بن أحمد مسكة الذين نذروا أنفسهم للعلم سنين طويلة، فيأتيهم بفتوى مؤصلة تأصيلا عميقا كما لو أنه درس معهم، ولبث ما لبثوا من أعمارهم في الطلب، فكان هذا آية بينة على تميزه وعبقريته وفتحه الذي شهد به الشيخ لمرابط محمد سالم بن عدود .
وتضيف ابنته عتيقة أن مما عرف به الوالد أحمدو باب وكان مرجعا فيه  : علم السيرة النبوية ، بكل جوانبه ومباحثه منذ حياة الجاهلية قبل الإسلام  إلى عهود الدولة الإسلامية في الفترتين الأموية والعباسية وغير ذلك.. و قد بذل جهدا كبيرا في تحصيل الكتب والمراجع المعتمدة في ذلك، فكان يقتنيها ويحرص عليها حتى شيد مكتبته العلمية الزاخرة، ومن أهم ما ضمته من نفائس الكتب : تاريخ المسعودي المسمى مروج الذهب، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، وسيرة ابن هشام ..الخ
2. أحمدو باب الأديب :
إلى جانب تمكنه في الفقه، ولع الشيخ أحمدو بابه أيضا بالأدب بنوعيه الفصيح والحساني، فكان راوية للشعر ومرجعا في اللغة و التراث الشعبي.
تقول ابنته الفاضلة الأستاذة عتيقة : (كان الوالد من الرواة الكبار للأدب بشقيه الحساني والعربي،  ولا يكاد يوجد ”اگطاع زين” سواء من أدب أهل هدار أو وِل مكيِّنْ أو أولاد ديمان إلا ويحفظه.. لقد كان يستظهر أمهات ”لبتيت” وروائع لغن الخالدة .. كما كان مع ذلك عارفا بالأدب العربي من العصر الجاهلي إلى صدر الإسلام والعصر العباسي، ويحفظ القصائد الطويلة مع استحضاره – فتبارك الله-  للغتها ومعاني ألفاظها في القاموس..وكان شيخه الوحيد  في هذا هو محمد المامي بن محمد البخاري، الذي نشأ معه ، و كان يسمع منه النصوص الكثيرة مع تفاصيلها والسياقات التي قيلت فيها الخ.. وقد كان محمد المامي هذا راوية وعلما كبيرا من  أعلام رواة الأدب الشعبي.. )
و لم يك غريبا في ضوء كل هذه العوامل التي أسهمت في تكوين شخصية أحمد باب الأدبية أن يصير شاعرا متميزا في الأدب الحساني خاصة ، وقد شهد له شيخه محمد سالم بن عدود بذلك كما سقناه سابقا، بقوله  :
افلبتيت ازيت مز   متعدل يغير
كاحزلك لبير كحز   من كحزت لبير
وقد ذكر أحمدّو باب سياق هذا الكاف،  في كتابه ” العجالة”، متحدثا عن صلاته بأهل عدود، وبخاصة محمد سالم وأخته أم المؤمنين، ذلك أنه  قال شعرا في الترحيب بالشيخ محمد سالم حين قدومه من تونس، فأجابه لمرابط بذلك الگاف.
قال في كتابه “العجالة” :
(( قال أحمدو باب يذكر مناقب شيخه لمرابط محمد سالم ول عدود رحمهما الله :
شيخي الاديب الشاعر گام  خطيب أسَلِيسْ المرام
جاب منَ اهلُ ذاك الل هام   واجدود گاع ألا مفصول
كرام أذريّت كرام أجوَدْ أصول الْهَ فصول
ظيف اتعزريه أهل لخيام   وِحاسنهم فوگ أمحصول
العلم الذاك امّل گام      امّونك بيه التوصّول
فقيه المشهور ابَّيان    الراجح والمرجوح اتقان
علم العقايد ما يشيان  في السيرة واللوغ فصول
أصول الحديث القرآن  يعرفُ  يعرفْ كل أصول
يعرفْ المنطق والبيان  يعرفُو يَعرفْ للأصول
شيخي الاديب الشاعر جوه   إذاكركم طبعو مسبولْ
طباعُ جايبهَ من بوه     وامُّ أصولاً وفُصولْ.)). راجع كتابه العجالة ص 4.

و ينبغي التنويه إلى أن ديوان شعره الحساني لم يطبع بعد، وقد أتحفني به تلميذه الجليل الدكتور أحمد كوري بن محمادي، وهو الذي جمعه ودونه  .
تغلب على الديوان النصوص الغزلية، ويتضمن نصوصا أخرى في أغراض شعرية متنوعة: كالمديح النبوي، والتوسل وزيارة الصالحين، و النسيب..
وسنقتصر  هنا على  نصين، أحدهما في مدح خير البرية صلى الله عليه وسلم، والآخر في زيارة الصالحين بتمغرت .
_في المديح النبوي
أخيار الرسل جايات  بيه الادلة جاريات
ذي المخلوقات وخالكات من نور أمتيه
وافضل من الامم كاملات  وكتاب نازل فيه
معنى لكتوب وحاويات  معنى مثانيهِ
وابمعجزات دالات اعلنو رسوليهِ
خاتم الانبيا تامات خلقُ ثاني اعليهِ
ربو فلايات اليوسرات كيف اسمو مع اسميهِ
وفالسماوات العاليات محمود وفراضيهِ
والرسالات امصدقات فرنْ ما جاء بيهِ
 
أخيار الرسلَ كاملين لعرب والعجم جاملين
صلاو عليهْ امسلمين الله وعباديهِ
أگال العبادو كاملين إصلو زاد عليهِ
 أگالن عدوه الطاغيين فالنار ومن يعصيهِ
يصليهم نار الواردين وعذابو في قبريهِ
ولمصدق بيه افكل حين يسقيه من حوضيهِ
وِصيب اجّنّ حور عِينْ وِگبلهَ يشفعْ فيهِ
أبركت محمد ننتصر وَلالِ وصَحْبيهِ
نبي الله أُننْجْبَرْ زاد عْلَ طاعتيهِ

_ في زيارة الصالحين بتمغرت :
زاير تمغرت آنا وجوار    تمغرت ومحمد مختار
شيخ الحلة أرفّادْ الجار   معلوم فْجارو   بهيّة
تقي نقي  غوث  ومختار  وَلِيُّنْ وابنُ الاولِيا
محمذن فال الصبار    سِنِّي خليفة تقي
تقي يعرف  لوحُ الاسرار  فقيه اعلنُّ  نحويّ
كيف ابن مالك  والمختار   والفرّا وابنُ جنيّ
زرت العتيق اخيار اعصار  عصرُ تقيّ نقيّ
حج الى بيت أُطاف أزار   أزار  لّنبيا بَهيّ
كل الخلطَ غوث أُمختار   سخيُّنْ وابن سخيّ
ياب للضيم أعن شِ ظار  أبِيُّنْ وابن أبِيّ
 
أحمد بزيد ألا يتراد عليه الخلق أُرَ المُرادْ
جاب الكرامة من لجدادْ اجدودُ أبٍ أبيَّ
عن شي خلاف السِّنة زاد ماجاء بيهِ نبيَّ
وارثها من الاسلاف أُعاد  بيهَ وليَّ تقيَّ
نقِيُّنْ غوث الْكِلّ ابلادْ   أُمِن نبي ّ أميّ
كرام أمورث أتلاد  ماهِنهَ شيء غبيّ
ما جاز أن يكونْ امگادْ معجزةً لنبيَ
جائزُنْ  أن يكون زادْ  كرامةً لِولِيَ
 
3. أحمدو باب وفهم الواقع :
من أهم ما ميز شخصية أحمدو باب نمط فكره المواكب لضرورات العصر والتمدن، والمستشرف للمستقبل، ومواقفه الفريدة من قضايا مجتمعه حديث العهد بالبداوة، ومخالفته لفتاوى كثير من علماء، وبخاصة: فتواه في شأن ضرورة التمدرس، ورأيه في المدارس  وأهمية ولوجها وضرورة تمدرس البنات وتعلم اللغات ، ورأيه الفقهي في أرجحية اخراج زكاة الفطر نقدا مراعاة للمقاصد الشرعية واستحضارا لمصالحه المرعية وفهما للواقع وأحوال الناس.
 يرجع السبب في هذا – كما شرحته لي ابنته الأستاذة عتيقة – إلى اختلاف منهجه في التعامل مع النصوص الشرعية عن غيره من أترابه من العلماء وإن كانوا نشأوا جميعا  في البادية، لذلك تضيف الأستاذة عتيقة : ” كان العلماء مستغربين جدا لفتاويه، ومنهم  الشيخان لمرابط محمد سالم بن عدود والشيخ محمد بن أحمد مسكة ”.
*** أحمدو باب ومشكلات المدرسة ، وتعلم الفسلفة واللغات وتمدرس البنات:
كانت هذه القضايا كلها محط اختلاف نظر أحمدو باب مع العلماء، فقد كانوا يحرمون المدرسة ، ويعتبرونها جزءا من الاستعمار ومخلفاته، و لأنها غريبة على مجتمعهم ونمط تعليمهم التقليدي (الشرعي المحظري) : فهي تدرس المواد العلمية والفرنسية والفلسفة ، وما يعتقد الـأهل أنه هو الأهم ( العلم الشرعي) لا تدرسه إلا بنسبة  وساعات محدودة، كما أن علماء المحاظر اعتبروها كثقافة وافدة استهدافا لهم و للمحظرة و للدين، خاصة في ظل تأثر الشباب حينها بالثقافة الحديثة والتيارات الفكرية الوافدة ..وبهذا أفتوا بحرمتها على الرجال والنساء على حد السواء، فأما الرجال فلكونها تدرس – برأيهم – الكفر والإلحاد(ويعنون به تدريس الفلسفة) ، وأما النساء فبداعي الفسق لكونها فضاء للإختلاط والخلوة ..الخ
ومن هنا كان لأحمدو باب موقف مغاير لهذه الفتاوى – تقول الأستاذة عتيقة – : فخاطبهم بأن هذا الواقع الجديد هو جزء من الحياة المدنية التي لا مفر من الانسجام معها ومواكبتها فكريا، وهي حياة تقتضي رؤية وفهما للواقع، يمكن الفرد من الاندماج الاقتصادي في قطاعات الدولة عبر آلية التوظيف، وهذا التوظيف يستلزم الحصول على مؤهل(شهادة) طريقه وبوابته الوحيدة : هي ولوج المدرسة   .
 فما دام معاش الأفراد اذن متعلقا بها فلا يمكن منعهم منها بتاتا، بل ينبغي تشجيعهم عليها وإلزامهم بدخولها .
ثم ينتقل معهم بهذا الخطاب العقلاني إلى الحديث عن إشكالية المدرسة نفسها – كما يتصورونها، ويفند كافة آراءهم، ويحاججهم في ما يعتبرونه معتمدا لتحريمها:
فأما تدريس اللغات الأجنبية، فكان يُفههم بالنصوص والأدلة الشرعية أن تعلمها من ضرورات العصر، وأن التعامل مع الأجنبي أصبح ضرورة ومسألة حتمية ولا يمكن أن يتم إلا بها، لذلك فتعلمها أمر لا مفر منه . ومما كان يحاجج ويستدل به في هذا الباب – كما تذكره الأستاذة عتيقة – أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد ابن ثابت بتعلم اليهودية..
وفي شأن موقف أحمدو باب هذا من تعلم اللغات يقول محمد ول امّينّ الخوالي: ( ويضع صاحبنا طرحا ناضجا حول هذه اللغات حيث يقول بضرورة تعلم أربع لغات، يقسمها إلى قسمين: لغتين اقتصاديتين ، ولغتين اجتماعيتين، فيعني باللغتين الاقتصاديتين الفرنسية والانجليزية، ويعني باللغتين الاجتماعيتين الحسانية واللغات المحلية الأخرى رعاية للوحدة واللحمة الوطنية ..) [تاريخ حياة أهل باركل وعاداتهم ، تأليف احمدو باب بن البخاري المحمودي الباركي،تقديم محمد ولد امّينّ اليعقوبي الخوالي ص 3] وأما تحريم المدرسة لعلة تعليم الفلسفة، فقد كان أحمدو باب يفند مستندهم في التحريم المعتمد على قول المقري في الإضاءة:
واحذر هنا أقوال أهل الفلسفة / فإنها محض الضلال والسفه
تقول الأستاذة عتيقة:
« كان أحمدو بابا يجادلهم، فيقول : ” المقري هنا لم يقل (و احظر) بل قال ( واحذر)، واحذر : معناه الاحتياط في الفلسفة مما قد يؤدي منها إلى الكفر والضلال، وأما ما كان منها مفيدا لك فخذه، هذا هو معنى قوله واحذر .. وبالتالي فما كان من الفلسفة ليس ضلالا فليس حراما.. »
وهكذا كان رحمه الله يؤصل برؤيته العلمية الحكيمة وسعة باعه وقوة اطلاعه وفهمه لعدم حرمة المدرسة أو حرمة ما يدرس فيها.. بل ضرورتها في واقع التمدن الجديد على المجتمع حينها.. والحاجة الماسة إليها للحصول على شهادة هي بطاقة العبور لتحصيل وظيفة هي الأساس للعيش الكريم.. ومن ثم فهي واجبة لا محرمة، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب – شرعا – ، خاصة في زمن الجفاف وكثرة إقبال وانتقال الناس يومها إلى المدن واستفحال الفقر.. والحاجة للعمل .. وتوفير دخل لتأمين العيش كريم..وإعالة الأسر وسد حاجياتها..
وأما بخصوص تمدرس البنات فكان يرى ضرورته ، ولا يعد تواجدها في المدرسة أو حتى       ( التاكسي)  خلوة أو اختلاطا، مادام غير مؤد لريبة، وتحقق فيه المرأة مصالحها وتقضي شؤونها بنفسها، وكان في مسـألة الاختلاط يستدل بقول ينسب لسيدي عبد الله ابن الفاظل : (مفاده أن الأجانب عندهم كقرون ” التيس” متقاربة لكنها لا تتماس !)
وكان أحمدو باب لشدة رفضه واستنكاره لمنع البنات من التمدرس يسميهن:(الموأودات وأدا مدنيا) .
يقول محمد ول امينّ الخوالي : «وللمؤلف مواقف جليلة خلال فترة السبعينات والثمانينات خصوصا في اطار التمدرس بصفة عامة وتمدرس البنات بصفة خاصة..ذلك قبل أن تهتم الدولة نفسها بهذا الجانب .. ولقد عارض علماء كبارا لما عارضوا التمدرس وقتها  واصفين المدارس بأنها بيوت النصارى، وقد استدل على وجوب تمدرس البنات بآيات قرآنية وسمى البنات الممنوعات من التمدرس بالموأودات وأدا مدنيا..»[تاريخ حياة أهل باركل وعاداتهم ، تأليف احمدو باب بن البخاري المحمودي الباركي،تقديم محمد ولد امّينّ اليعقوبي الخوالي ص 3].
– ”إرگِبْ يَخَيْ” :
من الطرف التي حكتها لي ابنته الماجدة الأستاذة عتيقة في هذا الباب : أن أحمدو باب ذهب يوما إلى الإمام بداه بن البوصيري في مسجده يعرض عليه فتواه في شأن ضرورة ولوج  المدرسة وتمدرس البنات ، فوجده يصلي، وألفى بالباب أحد تلامذته وهو متشدد في حرمة المدرسة، فقال له : (نحن في هذه الدولة التي هذا حالها،  ولا بد لك من شهادة إن كنت تريد تحصيل مال حلال لقضاء شؤونك وإصلاح حالك، فقال الرجل : ” إذا أغلقت دوني الأبواب ولم أجد سوى المدرسة، فلن أذهب اليها، بل سأقعد هنا في المسجد أطلب الله أن يرزقني” ، فقال له : ” الله لايَرِزقَكْ ! ” ، فقال الرجل  مستنكرا: ” شِنْهو؟ ! ، فقال أحمدو باب :  ” بيِهلي أولادنا الزينين الغاليين أولاد يعقوب الل اتهيدينتهم ماگط انگالت الْبُ حد هَوناتياها بِيهملي من المصطفين الاخيار جاو يتحافتو يگولو ﴿ وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ﴾ جايين للملك،  والطِّفلة الزينة الغالية لل انگالها :  ﴿يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين﴾ واتْهَيدينتهَ ماگط انگالت لُمّْ حد هون أُلا بُوهْ ، وجايبَ ولدنا الغالي لل انگالت فيه (وسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) انگالها : ﴿وهزي إليك بجذع النخلة ﴾ .. يَرزقَكْ انتَ گاعِدْ هَوناتِياهَ  وِمّابي تمشي تشتغل وعندك المدرسة تگرَ فيها وِمّابي عنها ” .
 تقول الأستاذة عتيقة :  ” فالتفت إليه الإمام بداه وقال له معلقا : ” إرِگِبْ يَخيّْ إرگب يخي” !!  لشدة إعجابه بقوله وحُجّته،  لكن الشيخ بداه لم يقبل الفتوى في النهاية، ولم يقل أيضا أنها خاطئة، فبقيت  القضية كأنها مسألة فيها قولان، وهذا رد سائر العلماء الذين عرضها عليهم وناقشهم فيها، كانوا لا يسلمون بها، ولا يقولون ببطلانها..لكنهم يغلبون ورعا وجه تحريم المدرسة وتمدرس البنات ..”.
ومن الفتاوى التي كان يجادل العلماء فيها أيضا فتوى اخراج زكاة الفطر بالقيمة ، فقد كان يرجحها للمصلحة، ويرى أن مقصد إغناء الفقير يوم العيد متحقق بإعطاءها به نقدا لا بإخراجها من غالب القُوت، وأن إعطاءها منه كان مغنيا زمن التعامل بالمقايضة بالبضاعة كعملة، أما وقد تغير الحال ولم تعد البضاعة عملة فمن يريد اغناء الفقير فينبغي أن يعطيها له نقدا، خاصة مع استحضار ضيق أحوال الناس في موريتانيا حينها وشدة الفاقة والحاجة الماسة للمال ( كما حدثتني عنه بإسهاب ابنته  الفاضلة الأستاذة عتيقة )
 وقد ألف في هذا كتابا: سماه ”الزكاة دعيمة ”، أتى فيه بأدلة كثيرة من المذهب المالكي وأقوال العلماء، وقد حققته الأستاذة فاطمة بنت سيد احمد بن الخطاط ضمن رسالة تخرجها لنيل شهادة الليصانص من المعهد العالي .
4. احمدو بابا مدرسا ومؤرخا وباحثا في التراث البظاني  :
لقد بوأت الشيخ أحمدو باب قدراته العلمية الكبيرة مكانة عليا في عصره، فانتدب للتدريس بزاوية الشيخ محمد المامي في الثمانينات، إلى جانب صفوة من أهل العلم وأعلام الزاوية الكبار. وتؤرخ لتدريسه في هذه الفترة رسالة بخط الشيخ أحمد كوري بن محمادي، بعث بها إلى والدي محمد بن محمد فاضل، بتاريخ 11 يونيو 1985م : يطمئنه فيها على أحوال الأهل في ”لفريگ، ويذكر فيها: (..أن أهل الزاوية يدرسون كل يوم دروسهم للتلاميذ من نظم خليل وبصائر التالين لمحمد مولود بن احمد فال في القرآن، ويقرؤه محمد بن محمد البخاري، ونظم خليل يدرسه بَنبَ بن محمادي، وأحمد يعقوب بن سيد ابراهيم يدرس نظم الحروف، ويابَّ يدرس التوحيد، وأحمدو باب بن البخاري يدرس ألفية السير..)
” انتهى من الرسالة، وهي محفوظة بمكتبة محمد بن محمد فاظل بن الحاج”.
وإلى جانب الاشتغال بالتدريس انكب أحمدو باب على التأليف، فترك عدة تصانيف مهمة عكست انشغاله الفكري بعدة قضايا مجتمعية و مباحث تاريخية وأدبية وتراثية، وهي :
_ كتاب تاريخ حياة أهل باركل أخلاقهم وعاداتهم : ذكر في مقدمته أنه ألفه بطلب من الشيخ محمد بن أحمد مسكة، طبع بمراجعة وتصحيح الأديب باركلل بن العتيق، الشيخ ياب بن محمادي، الشيخ محمد بن احمد مسك، تقديم محمد ولد امّينّ اليعقوبي الخوالي.
_ العجالة الحسانية للمجالس الشبانية في الآداب البيظانية،  حقق ضمن رسالة تخرج لنيل شهادة المتريز، تحقيق الأستاذة : الغالية منت بدي، كلية الآداب نواكشوط/2004م، ص 112 .
هذا الكتاب سعى – كما يقول في مقابلة مع محققته – من خلاله إلى المشاركة في تدوين التراث الشعبي، ولكي يكون أبًا لبحوث تتناول بعضا من جوانب الحياة الاجتماعية لدى مجتمع البيظان خاصة في منطقتي الگبلة وإينشيري. (راجع تحقيق العجالة ، مقابلة مع المؤلف، ص 113) .
_ كتاب تحفة الطالب في الأدب ( لم يحقق بعد)، وهو كما يقول أحمدو باب رحمه الله : « يتناول البلاغة في نشأتها والفرق بين العربي والإعرابي في الفصاحة، وفيه أفخر بيت ، و أحكم بيت..الخ»(راجع تحقيق العجالة ، مقابلة مع المؤلف، ص 113) .
_ كتاب في الفقه حول الزكاة، حققته الأستاذة فاطمة بنت سيد احمد الخطاط ضمن رسالة تخرج لنيل شهادة ليصانص ، بالمعهد العالي .
_ كتاب الحرة الكريمة، لم يحقق بعد.
توفي الشيخ أحمدو باب رحمه الله  سنة 2008 ودفن بأگجوجت .

** مراثيه :
ممن رثوا الشيخَ احمدو باب الأستاذ الشاعر الشريف المعلوم ابن المرابط السملالي:

صـمّ الـمـسامـع والقـلـوب أذابـها == خـطـب جـليل قد أصاب لبابها
خطب دهـى منع الجفون رقادها == فالعـيـن تـدمع؛ ما أجل مصابها!                               
     نـبـأ نـعـى أحـمــدّ بــاب مـذيــعه == مـن كـان مـفـتـاح العلوم وبابَها
مـن كـان نــدبـا حـاذقا مـتـعـلـقـا == بـاللـه ذا نـور يـشـعّ وذا بَـها
من آل محمود الكرام ذوي الندى == لـجـدوده الغـر الأعـزة شابها
ورِع عـلـيـه مـن الصـلاح أمـارة == سـاد الـعـشـيـرة شِيـبها وشبابها
عـن زهـرة الـدنـيا الـدنـية جـنبُه == نـابٍ كـمـا هـجر الأسرّ ظِرابها
ومـؤرخ كـشف الدقائق ذهـنـه == وعـن الـحـقـائـق قد أزال ضبابها
هيـهات أحـصر وصفـه وخصاله == هـيـهـات عـنـها أن أفضّ حجابها!
لـكـنـنــي فــيــه أعـــزي أهـلنا == ولُـغـى الـعروبـة؛ نـحوَها آدابَها
واللـه يـشـكـر سـعـيـه ويـنـيـلـه == جـنـات فـردوس يـجوب رحابَها
في جـنـب سر الكون درة نحره == أهدي إليه من الصلاة حَبابها

الوسوم
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: