منذ مايقارب 30 عاما من الخدمة المهنية في التلفزة الموريتانية، لم أمارس خلالها عادة رفع الصوت أو المجاهرة بالرأي، ولم يعرف عني تحريك قطع الشطرنج تخندقا في صف مدير أو مسؤول، لسبب بسيط هو أنني مؤمن بالعمل في صمت بعيدا عن البهرجة والضوضاء، حاملا على كتفي “كاميرا” شارَكتُ عبرها في توثيق أحداث كبرى في هذا المنكب البرزخي.
وكنت عين المشاهد في رصد قمم وملتقيات وندوات تُعد التلفزة الموريتانية الشاهد الوحيد عليها في ذلك الحين.
ورغم اختياري في أكثر من مناسبة لتغطية الأنشطة الرئاسية ومرافقة عدد من الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة البلاد في الداخل والخارج، فقد دفعت فاتورة باهظة ثمنا لصمتي وعدم قبولي الدخول في دائرة ”بطانة المدير” أو ”مافيا المؤسسة” مع إصراري الدائم على عدم وضع (القناع) والبقاء في دائرة العمل الفني المهني البحت، وخير شاهد ودليل على ذلك هو الظلم والتهميش الذين تعرضت لهم خلال الإدارات السابقة للتلفزة.
واليوم، بضغط من الضمير وتلبية لواجب إحقاق الحق وبقناعة تامة لا دافع أو مبتغى من ورائها سوى قول الحقيقة، مجردة من أي لبوس أو مساحيق أو رتوش، أجدني ملزما بكسر قاعدة الصمت، والاكتفاء بمراقبة الأحداث، للخروج ولأول مرة إلى ميدان المواجهة والاصطفاف وإعلان الانحياز إلى الحقيقة، بعد أن شاهدت ظلما بواحا ومحاولة شرسة للتشويش على نجاح فريد حققته (باقة الموريتانية) في ظرف وجيز وفي أجواء خاصة، سمتها التعقيد وعنوانها “كورونا“.
(كورونا) الذي قهر العالم وأدخله في حالة طوارئ مفتوحة، غير أنه كشف عن وجه مفاجئ ومغاير للتلفزة الموريتانية، شعاره التميز والحضور الواعي في قلب الحدث الطارئ وكسب الرهان مع تجاوز العقبات والمثبطات والعراقيل، وذلك بفضل عقل مستنير وخبرة تتوكأ على تجربة غنية وثرية، رصيدها العلم والمثابرة والوطنية والحس المهني والصدق والأمانة والنزاهة الفكرية والمسؤولية والتواضع والوعي بحجم الظرف ومتطلباته، من لدن المدير الشاب الشغوف المثابر محمد محمود ولد أبو المعالي.
وهنا لا بدلي من فتح قوس، لشكر رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على حسن الاختيار بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فوجود أبو المعالي على رأس إدارة أكبر مؤسسة إعلامية في البلاد، هو وضع للشيء في موضعه الصحيح والحسن، وهنا يحضرني قول أبو العتاهية للخليفة المهدي عند تسنمه عرش الخلافة:
أَتَتــهُ الخِلافَــــــةُ مُنقادَةً ** إلَيـــهِ تُجَــــرِّرُ أَذيــالَها
وَلَــم تَـــكُ تَصلُحُ إِلّا لَـهُ ** وَلَـــم يَــكُ يَصلُـحُ إِلّا لَها
لقد نجح الرجل بحنكته وخبرته المشهودة مع صاحبة الجلالة ومهنة المتاعب، في وضع المؤسسة التي تشكل الواجهة البصرية للبلاد، على السكة الصحيحة ومصالحتها مع مشاهديها الذين كانوا قبل وصوله إلى “الموريتانية”، يبحثون ب(Remote Control) على قائمة القنوات عن أي تلفزيون غير “الموريتانية”.
واليوم استطاع أبو المعالي ـ والاسم هنا دال على المسمى ـ أن يجعل المشاهد داخل البلاد والمواطن خارجه، لايفتر ولا يكاد يفارق أو يرنو ببصره إلى غير “الموريتانية“.
ولعل هذا النجاح السريع والتفوق المشهود في كسب معركة العودة إلى “الهوية” عبر مخرجات مركزة تلبي نهم المواطن الموريتاني للإجابة على “أشطاري” أو ما هو طارئ وما يدور داخل البلد من أحداث من أقصى نقطة في شرقه إلى أقصى نقطة في شماله إلى أقصى نقطة في جنوبه، فحيث ما يممت فثمة قناة الموريتانية حاضرة بطاقمها الصحفي والفني: أراني حيث ما يممت طرفي وجدت على مكارمها دليلا (بتصرف)
هذا النجاح والمستوى الكبير من المهنية والمواكبة الدقيقة والفورية للأحداث والتحول الكبير في التعاطي مع هموم المواطنين عبر صناعة إعلام خدمة عمومية، يقترب من المواطن ويرصد مطالبه وينقل يومياته في المدن والأرياف وعلى الحدود، هي أمور دفعت بـ‘‘صائد الأوهام‘‘ في المياه العكرة ونافخ الكير وأعداء النجاح، إلى التباكي على الأطلال ورمي الأشواك في الطريق ونصب الفخاخ وتصويب أفواه بنادقهم الصدئة وسيوفهم الخشبية التي ما قتلت ذبابة وفرقعاتهم الصوتية، نحو الشجرة المثمرة والقطار الذي بدء السير بأناة وتؤدة على سكة الإنتاج والمنافسة الناضجة والتفوق في المُخرج والتميز في الشكل والمضمون.
ومن بين أولئك اللاهثين خلف سراب بقيعة وقصور مبنية على رمال متحركة، ثلة ممن اختطفوا نقابة الصحفيين ونصبوا أنفسهم أوصياء على سدنة القلم في هذه البلاد، ومنحوا لأنفسهم صكوك الغفران وبراءة من الله ورسوله، ليصدروا البيانات الموقعة في الهجيع الأخير من الليل ويُصَدروا أحكامهم القوقائية والمتغولة، المارقة على الحقيقة، المتسلقة على أكتاف شرفاء المهنة ، في خطوة تشبه حد التطابق، خطوة مرتجفة لبطة عرجاء على طين لازب.
ثلة كل (همهم) هو كسب معركة إنتخابية، حسم أصحابها وأطرافها أمرهم وقرروا عدم العودة إلى الفراغ ولعب دور (الكومبارس) في فيلم كرتوني أسود أبيض أو إلى العصر الحجري للمتبتلين في محراب الدكتاتورية، المجبولين على الصلف والعواء والرسم بالكلمات المخنوقة وسرقة نجاحات الآخرين.
ولأنه في زمن العبارة لاتجوز الإشارة، فلا بد لي من الهمس هنا في أذن أخي وزميلي (لبات ولد امديح) الذي جمعتني به ألفة وعشرة وزمالة، أشهد له فيها بالكثير من الإخلاص في العمل، وهو ما يدفعني إلى أن أقول له وبكل صدق: (لقد أخطأت في هذه وأسأت القول والتصرف وجانبك الصواب)
نعم …أخطأت حين رفعت صوتك في غير وقار بمجلس المدير العام و أسأت معه وله الكلام ولم تراعي أدب الحديث الذي ينبغي أن يكون بين زميل وزميله، فكيف بمدير مع أحد عماله وفي اجتماع إداري يحضره الكثير من أطر المؤسسة.
زميلي العزيز، لقد تجاوزت جميع الخطوط الحمراء وانتهكت حرمة وقار المجلس وحيائه، ومع ذلك تعامل معك المدير بكل ود، و كان كريما في رده لإساءتك، ودفعك بالتي هي أحسن، ولولا طيبة قلبه وشهامته وكظمه الغيظ، لكنت من النادمين.
ثم إن العلاوة التي سحبها المدير منك – وله الحق في ذلك – هي هبة ولسيت حق، يمنحها لمن يشاء من عمال المؤسسة، ممن يرى فيهم الكفاءة والعمل معه بانسجام، على تحقيق خطته لتطوير التلفزة.
وقبل أن تقد القميص من دبر وتطعن من الخلف على سجية ”صويحبات” الخلخال، فقد أتيت ببهتان عظيم وإفك كبير بعد اتهامك المدير العام بإغراق المؤسسة بعدد من أبناء عمومته وهو قول مردود عليك بمنطق الواقع وحجة الحقائق التي لايحجب شمسها غربال الأحقاد أو جشع الأطماع وعقدة فقدان بوصلة النجاح.
وعلى عكس الوتر الذي عزف عليه المدير السابق الذي جعل التلفزة روضة أطفال وسركا لبهلوانيين لم تقلم أظافرهم بعد ومقهى لربات الخدر والحجال، فقد أغرق أبو المعالي التلفزة الموريتانية بالأجهزة المتطورة التي تم اقتنائها من أحدث مصانع تكنولوجيا التقانة الأوروبية وهو مانعكس على مخرجات الشاشة.
يضاف إلى ذلك إعطاءه كل ذي حق حقه وإنصافه لأصحاب الكفاءة والمهنية الذين كانوا – منذ سنوات – ينتظرون بعض السيارة ليلتقطوهم من غيابات الجب التي رمتهم بها الإدارات السابقة.
وهنا أعود لأتساءل عن صحوة الضمير المتأخرة لدى الثلة الموقعين على البيان المنسوب للنقابة، والذي رفض التوقيع عليه جل أعضاء مكتبها التنفيذي المنتهية ولايته، إذ كيف لهم أن ينددوا بفصل موظف عن العمل – على حد زعمهم – ولم يكلفوا أنفسهم حتى إجراء تحقيق لمدة 5 دقائق ليتبينوا كنه الحقيقة؟
أم أن الغل والضغينة وإتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء، جعلهم يتعجلون أمرهم قبل أن يؤذن مؤذن (أيتها العير إنكم لسارقون)..؟.
أين كانت هذه النقابة أو الثلة المتحدثة باسمها، حين تم فصل عشرات المتعاونين ومن بينهم من نجحوا في مسابقة نظمتها التلفزة؟
وأين كانت من مطالبة هؤلاء بالترسيم، بعد أن تجاوزوا سنوات في الخدمة دون اكتتاب وبعد أن دخلوا إلى أروقة القضاء بحثا عن حقهم المشروع؟
بل أين كانت، حين تمت إقالة لبات ولد امديح نفسه، من إدارة المكتب الجهوي للقناة في العاصمة الاقتصادية نواذيبو، من قبل المديرة السابقة خيرة بنت الشيخاني وسحب جميع امتيازاته بما فيها السيارة التي كانت لديه وإعادته إلى نواكشوط دون أي وظيفة؟
أين كانت حين تمت إقالة الزميل الشيخ سيداتي ولد الجيلاني من قبل الإدارة السابقة مع تعمد إهانته، لا لشيء سوى لأنه رفض إقالة الزميلة منى بنت الدي دون وجه حق؟
هل كانت النقابة تنام في العسل، حين كانت الإدارة السابقة ترمي بمجموعة من الفنيين والمصورين بالقناة إلى الشارع وتطردهم بدون حقوق؟
هي تساؤلات – وجيهة وفي الصميم – تبحث من المعنيين عن جواب جامع مانع لاشيه فيه، مع رجائي أن لا يتشابه البقر عليهم!! …
إننا اليوم في باقة الموريتانية وبمختلف قنواتها المتخصصة، الأولى والثانية والثقافية والبرلمانية والرياضية وقناة المحظرة، نعيش حالة خاصة من الانسجام والتصالح مع الذات ونشوة النجاح، وهي حالة نحسد عليها وتجعلنا ندرك إدراكا تاما، السبب الكامن وراء هذا الكم من السهام الموجهة إلينا، فالشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة.
لكن مع التهاني التي وصلت إلى المدير العام السيد محمد محمود ولد أبو المعالي من أعلى هرم في السلطة ومن الوزارة الوصية وحتى من مختلف القطاعات الوزارية وعدد من المؤسسات الوطنية وهيئات المجتمع المدني، على العمل النوعي الذي تشي به شاشة القناة وبرامجها المباشرة ومراسليها المنتشرين في أصقاع البلاد وفجاجه ونشراتها التي تحولت إلى موريتانيا مصغرة، مع هذه التهاني وهذا التثمين وكل هذه الإشادة، يزداد إصرارنا نحن العاملين بالموريتانية اليوم على الوقوف صفا واحدا للدفاع عن ما تم إنجازه والوقوف درعا بشريا للذب والذود عن المشروع النموذجي الذي يحمله المدير ولد أبو المعالي لصالح الارتقاء بهذه المؤسسة الهامة والذي بدأت ثماره تحصد رغم النابحين و المرجفين والمفرقعين وأصحاب الجعجة.
إن القادم في قناة الموريتانية أحلى والآتي إليها سيكون أجمل وأنظف وأكثر مهنية.
نعم هو أحلى وأجمل، إذ هاهي بشائر موسم خريف الموريتانية تترى، حيث أعلن المدير العام اليوم في سابقة من نوعها في تاريخ الإعلام العمومي بموريتانيا عن رغبة التلفزة الموريتانية في التعاقد مع طبيب عام للإشراف على تقديم استشارات طبية وإسعافات أولية لعمال المؤسسة، وهي خطوة تضاف إلى خطوات إصلاحية أخرى بدأ الرجل في تطبيقها ميدانيا من بينها:
-السعي إلى اكتتاب المتعاونين في أسرع وقت ممكن حيث من المقرر أن يشمل الاكتتاب 200 شخص من داخل المؤسسة.
– مراجعة الرواتب بشكل عام والعمل على زیادتھا زيادة معتبرة، حيث يرفض المدير أن تكون رواتب عمال بعض الإدارات الأخرى، ثلاثة أضعاف رواتب موظفي التلفزة في حین أن عمال التلفزة یعملون أوقات أكثر زيادة على وقت الدوام الرسمي.
– العمل على إنشاء 6 مكاتب جھویة ،مجھزة تجھیزا كاملا مع اقتناء سيارات رباعية الدفع بمعدل سيارة لكل مكتب.
– زيادة علاوة العمال المحالين إلى الداخل.
– مواصلة النقاش والتواصل بين مناديب العمال والمدیر.
وقد قطعت ھذه الإجراءات أشواطا معتبرة مع الجھات المعنية، حيث ستجعل من التلفزة الموریتانیة، قطبا إعلاميا نموذجيا في شبه المنطقة وشريكا لا غنى عنه في كافة التحولات التنموية بالبلاد.
إن قدر التلفزة الموريتانية مع المدير الشاب الخلوق المهني المثقف الكفء الوطني بامتياز محمد محمود أبو المعالي أن ترقى إلى المعالي:
إليك أرفع إجلالي وتهنئتي لا زلت ترقى المعالي آخر الأبد
القافلة تسير و————- !!!!!!!
الشيخ محمد المامي / إعلامي
نقلا عن موقع الصدى
موقع السياسي متخصص في الشؤون السياسية
