خاص بالسياسيمقالات

*الشيخ بلاهي بن البخاري : مدرسة في الأخلاق والقيم*بقلم: احمد بزيد بن محمد بن محمد فاضل*

*الشيخ بلاهي بن البخاري : مدرسة في الأخلاق والقيم*

*بقلم: احمد بزيد بن محمد بن محمد فاضل*

لم أكد أشرع في كتابة هذه الورقة عن خالنا العزيز بلاهي بن البخاري وقد أعياني مطلعها – وإن كان المقام نثرا- حتى تذكرت قول القائل وقد أعياه المطلع لما طلبه شعرا : ( وهو سيدي محمد بن الشيخ سيديا) .
يا معشر البلغاء هل من لوذعي   يهدى حجاه لمقصد لم يبدع
إني هممت بأن أقول قصيــــدة    بكرا فأعياني وجود المطلع
يحار حقا كل من عرف الشيخ بلاهي رحمه الله من أين يبدأ الحديث عنه وعن مكارمه العديدة ونبله وخصاله الحميدة .. لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله…ووفقا لذلك سأحاول تقديم إضاءات عامة و قبسات من حياته ومساره الحافل بالعطاء والبذل وكل  قيم ”اتشمشي” الأصيلة ومعاني ”اتبركيل” الأثيلة..
هو الشيخ الجليل الإمام العابد الزاهد المنفق السخي التقي النقي الوقور محمد عبد الله (الملقب بلاهي) بن البخاري بن محمد عبد الله بن البخاري بن محمد بن سيدي عبد الله بن الفاظل فحل تيرس. ووالدته هي افطيمة بنت محمد عبد الله بن محمدو بن البخاري بن محمد بن سيدي عبد الله  بن الفاظل.
ولد سنة 1953  بتيرس، ونشأ في بيت صلاح وعلم وورع، فحفظ القرآن على يدي والديه الكريمين، كما استفاد من محيطه الأسري في التحصيل والمدراسة العلمية .. فنهل من العلوم المحظرية من فقه ولغة وعقيدة .. وارتوى من المكتبات الأهلية العامرة ..خاصة بيوتات أهله أهل الفاظل .. موئل العلم ومعدنه .. الذين (فتحوا جنود العلم) في أرض تيرس كما يقول بدر تيرس وإمامها :
لِلهِ دَرُّ عُلُومِ آلِ الْأَفْضَلِ
 
وَزُلاَلِ تِشْلَ مِنَ الرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
 
ضَرَبُوا عَلَى غُمْدَانَ وَالسَّيْفُ الذِي
  
فَتَحَ الْجُنُودَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسْلَلِ
 
فَتَحُوا جُنُودَ الْعِلْمِ لَمَّا أَصْبَحَتْ

فيِ جِذْمِ تِيرِسَ دَارُهُ لَمْ تُحْلَلِ
 
أَشْفَقْتُ قَبْلَ الْيَوْمِ أَنْ يَبْقَى سُدًى
  
د ُرُّ السَّنُوسِي بَيْنَنَا وَالْأَطْوَلِ
 
أَخْوَالُ صِدْقٍ غَيْرَ أَنَّ حَفِيدَهُمْ
 
يَسْلُو بِهِمْ عَنْ أَهْلِهِ وَالْمَنْزِلِ
 
وَيُحَفُّ زَائِرُهُمْ وَطَالِبُ عِلْمِهِمْ
 
بِسَوَابِغِ الْإِنْعَامِ غَيْرَ سَفَرْجَلِ
 
أَدْعُو بِطَلْبَقَةٍ وَدَمْعَزَةٍ لَهُمْ
  
آمِينَ مَا دَامَتْ ذَوَائِبُ يَذْبُلِ
 
سنة 1975 انتقل بلاهي إلى موريتانيا، حيث اشتغل في الثانوية الفنية، إلى أواخر سنة  1989 ليسافر حينها سفره الأول للإمارات مع رفيقيه وابني عمه سيدي احمد وسيدي محمد ابني محمد مؤمل، فاشتغل هناك أولا في شركة للبترول.
ومن أبرز المحطات في الديار الإماراتية عمله في دائرة  الفتوى بمسعى كريم من الشيخ الجليل الكريم بن الكريم الماجد الفاضل سليل الأفاضل حفيد مسكة الخير بقية السلف الشيخ أبي المعالي وأخيها وجذيل المكرمات ولِواهَا، فلله دره .. سحت على قبره سحب الرضوان والرحمة الغفران :

سقى الله قبرا في ذرى الهند صيبا.. 
 من اليمن والرضوان والرحمات
به قد ثوى شيخ المروءات والندى..    سليل بيوت الفضل والنجدات
وطلعة عبد محسن ومسبح..                                                                   يهلل بالاصال والغدوات
كأن ثرى الاطهار في أرض تيرس..
يمد به في الهند ركن ثبات
فياطيبها أرض حوته وطيبه..
مزار إمام وافر البركات
سلام على ذاك المقام مبارك..
تضمخ بالريحان والنسمات
نعتك المعالي يا أباها وجدها
وياقلب حق خالد النبضات
وخير بنين هم بنونك تميزا
وخير بنات هن خير بنات
رضينا قضاء الله فيك فعندنا
 لقاء حياة بعد ورد ممات.
 
بعد سنوات قضاها في دائرة الفتوى بالإمارات، وبالشارقة تحديدا، استفاد منها  علميا استفادة عظيمة، تم تحويله إلى قطاع المساجد، وتحول بين مساجد عدة، قبل أن يستقر بمسجد بين مدينتي دبي و”العين”، وذلك في الفترة الممتدة بين سنتي 1998  و1999 ، لينتهي به المطاف أخيرا بمسجد  بمدينة دبي، والذي قضى بقية سنواته العامرة بالمبرات إماما له ، حتى وافاه الأجل المحتوم يوم الخميس 16 يوليو 2020 .
وطوال سنوات إقامته بدبي أسس بلاهي بنيان مجده على تقوى من الله ورضوان، وإحسان إلى الخلق بسخاء يد وبشاشة محيا دائمة وحسن معشر، فكان بيته العامر  ملاذا يأوي إليه الغريب والقريب على حد السواء، دون أدنى مشقة أو عناء..فالمفتاح بالباب..يا أحباب ..
وقد شهد له بذلك خلق كثير، و كانت أكثر الشهادات فيه تأثرا شهادة رجل من ”لخوال” اسمه : اسلكو ول ابهاه وكان شرطيا في الإمارات، ذكر جوانب خالدة من سخاء الرجل ولين جانبه ولطافته وظرافته، منها أنه : كان يقطن بيتا ليس متسعا كثيرا مساحيا، فيه غرفتان، وكان قرب السوق في دبي، وكانت صعوبة السكن وغلاءه المفرط إذ ذاك مسألة مفروغا منها، وتؤرق كل قادم لدبي. يقول اسلكو: ” كل شيء يمكن أن يجده المرء في دبي إلا السكن لصعوبته الكبيرة، وغلاءه الفاحش، وصعوبة الحياة عموما في تلك الفترة..وكان بلاهي إمام مسجد بجانب السوق، وفيه غرف ليست واسعة جغرافيا، لكن بلاهي كان يوسعها بطيبته وحسن أخلاقه.. وتؤوي أحيانا عشرين رجلا يغمرهم بلاهي بلطفه وبشاشته ويلاطفهم بظرافته وكرمه .. وكان يترك المفتاح بالباب لكل قادم ..وفي أي وقت قدم..يجده معلقا بالباب.. ومن حسن خلقه المعهود المعروف أنه لا يعتبر الفارق الزمني بين نواكشوط والامارات..بل كان بلاهي يستقبل كل متصل ولو كان الوقت متأخرا بالنسبة له..ويعبر بتوقيت أهل نواكشوط ويهش ويبش في وجه كل متصل به..وأحيانا آتيه ولا أجده في البيت فأكتشف أنه قد بات في المسجد..وترك البيت للضيوف..لا اله إلا الله ..”
ولقد دل على خلق الرجل العظيم وفقده الجسيم الأليم الكم الهائل من المراثي  النثرية والشعرية التي تقاطرت من كل فج عميق تنعي رحيله المؤلم ، وتعدد خصاله ومناقبه .. من أعيان وعلماء ومشايخ كبار أمثال العلامة الشيخ محمد الحسن بن الددو، والشيخ القاضي شيخنا بن أمات، وفضلاء ونبلاء وعلماء وأدباء كثيرين..
وسنورد هنا بعضا من مراثيه الشعرية :
1. يقول محمد بن أبي المعالي :
خَطْبُ الْمَصَائِبِ وَالدَّوَاهِي بِنَعْيِكَ أَيُّهَا النَّاعِي لِبَاهِي
مُحَمَّدُ عَابِدُ اللهِ الْبُخَارِي فَيَا وَجَعِي وَيَا حُزْنِي وَآهِ !
فَيَا لِلَّهِ مِنْ خُلُقٍ وَحِلْمٍ لَهُ مَعْنٌ يُعَيَّرُ بِالسَّفَاهِ
فَتًى عَشِقَ الْمَكَارِمَ وَهْوَ طِفْلٌ فَلَا يُصْغِي لِعَاذِلٍ أَوْ لِنَاهِي
وَشَبَّ وَشَابَ بَلاَّهِي أَبِيًّا وَعَنْ فِعْلِ الْمُرُوءَةِ لَيْسَ لَاهِي
فَيُقْرِي الضَّيْفَ مَعْ حَمْلٍ لِكَلٍّ وَيَبْذُلُ عِلْقَ أَمْوَالٍ وَجَاهِ
وَلَمْ تَغْرُرْهُ بَهْرَجَةُ الدُّنَيَّا وَلَمْ يَكُ عَنْ لِقَاءِ اللهِ سَاهِ
بِظِلِّكَ يَوْمَ لَا ظِلاًّ سِوَاهُ تُظِلُّ الشَّيْخَ يَا رَبِّي إِلَهِي
وَتَرْحَمُ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْمُصَلَّى وَبِالصَّلَوَاتِ أَدَّاهَا كَمَا هِي
وَيَااللهُ لَطْفَكَ بِالْأَهَالِي فَقَدْ عَمَّ الْأَسَى كُلَّ اتِّجَاهِ
صَلَاةٌ ثُمَّ تَسْلِيمٌ تَوَالَى عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ بِلَا تَنَاهِ
 
2. يقول الدكتور الشيخ عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر :
هو الخطب لم يترك لدى الأهل منزلا
من الحزن إلا صال فيه مزلزلا
لنعيهم نجل البخاري الذي له
تدلت عراجين السيادة ذللا
لفقد الفتى بلاهي خالي الذي لنا
بخلق وجود كان عضوا ممثلا
لذا الفقد منا هام كل مفجع
يرى أنه ملك لخالقه علا
قضا ربه ذا العرش يرضى مسبحا
(وإنا إليه راجعون) مرتلا
لقد فقدت منه المجالس ذاكرا
وغرا من الآداب (طابت محللا)
فكان أديبا( لا يمل حديثه)
تفوح برياه النوادي قرنفلا
وكان بأنساب لمجموعة له
خبيرا ويرضى ساحة العز منزلا
وقد كان من حفاظ ذكر تعاهدت
(أولئك أهل الله والصفوة الملا….)
إذا ذكر ربي جال في (حجرات)ه
ترى منه صدرا ظل بالذكر موصلا
وفي كل هذا كان بلاهي يقتدي
بالآبا فمنهم مجده قد تأثلا
ومن والدات كان عنهن مسندا
حديثا صحيحا موصلا ليس معضلا
بجنات عدن رب بلاهي فاكسه
(ملابس أنوار من التاج والحلى)
ويلفي بها من مجلس لذ نكتة
وحورا وآدابا بها ظل مقبلا
وميمون دامت قمة وسط همة
لنا تنقل(القرآن عذبا مسلسلا)
ولا عدمت منها العشيرة نفحة
يلاقي بها صاد من الخير منهلا
حمدنا العلي أبقى خيارا (توسطت
سماء العلا والعدل زهرا وكملا)
لهن التعازي ثم أبناء صنوه
وأنفسنا والأهل الآحاد والملا
لآل البخاري حين نبعث ذا العزا
نرى أننا الاولى به يوم أرسلا
صلاة وتسليم على خير مرسل
به كل مفجوع لدى ذكره سلا
عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر
يوم الخميس
25 ذي القعده ١٤٤١ هجريه.
بالشلخه/ بداخلت انواذيبو.
3. يقول الفقيه محمد معروف بن المرابط السملالي :
حكم المنية نافذ محتوم
لا حاكم يبقى ولا محكوم
هذي القصور أحالها مهجورة
سيان منها فارس والروم
والصالحون دروا حقيقة أمره
فالزاد منهم بالتقى موسوم
يا رب جاءك سيد من سادة
من طبعهم مسك الندى مختوم
أنزله عليين عندك مكرما
فيها كتاب باسمه مرقوم
الشيخ بلاهي الذي أخلاقه
يبأى بها المنطوق والمفهوم
زاد المروءة قد تزود ناشئا
تحدوه أخلاق سمت وحلوم
فلفقده بين الجوانح حرقة
ولهيبها أبدا بنا مضروم
أجداده أحيوا شريعة أحمد
والجود شيد بناؤه المهدوم
أرسوا جبال البر بين جبالهم
فلهم بهذا منهج معلوم
وقد اقتفى آثارهم متتبعا
والزهر نشر عبيره مشموم
إنا نعزي الفاضليين الألى
في اللوح خالدُ مجدهم مرسوم
والباركيين الألى أمجادهم
يعيى بها المنثور والمنظوم
إن الشموس إذا تغيب فإنما
تأتي بدور بعدها ونجوم
صلى الإله على النبي محمد
فصلاته يكفى بها المهموم
 
4. محمد عالي بن سيدي ابراهيم :
لله بلاه من للحلم والكرم
من بعده خالق المحراب والحرم
من للبشاشة والمفتاح تعرفه
معلقا إذ ينادي الضيف في الظلم
أقبل فحي علي الصلاة توأمها
 في البيت حي علي الإتحاف والكرم
عرفته وصلاح الدين يعرفه
دبي تعرفه برجا علي القمم
فرحمة الله إذ كانت له مددا
عليه من خالق الجنات والنعم
صلي الإلاه علي الرسول
سيدنا إمامنا سيد الآنام والأمم

الوسوم
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: