مقالات

لك أرفع القبعة وأضع الكمامة / الحسن ولد محمد الشيخ

عرفتك حكيما -أيها الطبيب- ترفل في ثياب الطهر والنقاء .. تزرع في النفوس غبطة وسعادة .. وتنقش على جدار الذاكرة صورة ملاك منقذ يعمل على تخليص الإنسانية من الأوجاع والآلام.

فكنت رائدا قائدا يستغيث الملهوف بنصحه، ويستعين الزعيم بحكمته ورشده.

لهذا خرجت اليوم أحييك؛ فوجدتني في طرقات موحشة لا أكاد اسمع فيها غير تأوهات  شعب بات بين مطرقة الخوف من الكورونا وسندان الواقع الهش المطوق بإجراءات الحجر الصحي.

عدت إلى البيت وأخذت أمد الطرف من إحدى النوافذ لأحييك ولو من هنالك أيها الطبيب، وأتأمل مليا في هذا الهدوء المطبق على المكان والأضواء الشاحبة والشوارع الخالية إلا من إشارات مرور تمت برمجتها على خواء، لم تعرف الاحترام في سابق أيامها… لقد اصفر أخضرها تشاؤما وأحمر أصفرها تجاوبا مع اللحظة وازور العابرون عنها ذات اليمين وذات الشمال إلاك..

فكنت أراك تعبر مسرعا غير آبه بمآلات الخوف ولا آبق على النظام.

وأمام هذا المشهد الرهيب المريب صرت أكاد أفر من نفسي وأكر إلى نحسي لتأخذني الهواجس بعيدا صوب قفار من الأوهام تتسع كلما حل الظلام.. فيأبى الاسترخاء الحلول إلى جسم أنهكه الكدح مذ عاث الحكام في الأرض فسادا حتى فارقت أسراب الطيور وكناتها ونفقت الأنعام في مراحها وذبلت السنابل في حرائثها وغاصت الأسماك في الأعماق وصدئ الحديد وتبخر الغاز وضاع الذهب..  فأطلت الكورونا بقرون متعطشة للأذى.

لقد كنت في شغلي وفي عطلي أتنسم عبير الحرية وأستنشق عبق الصحة والعافية وأبيت -أحيانا- على الطوى وأظله (..) مرتاح الضمير، وقد صارت هذه الأمور “قاب قوسين أو أدنى” من الضياع.. فهذا مخلوق وهمي خرافي يعبث بالبشرية.. يسلبها  الإنسانية والوجود.. وعاد الكل إلى مأواه إلاك.

عظم الخطب واختارت الكورونا مغازلة الأيادي كي تتسلل إلى الأنوف مستمتعة بلحظات الهلع الطاغية على الحكومات، فسقطت الحواجز بينها والمحكومين وتحول الخطر إلى خطرين (المرض والمجاعة) يهددان الاثنين معا (الحكام والمحكومين).. ولم يعد هناك من منقذ بعد الله إلاك.

فتحية إجلال وإكبار أيها الحكيم المرابط على الثغور.. المدافع عن الإنسانية جمعاء.. المضحي بالنفس والأهل والولد من أجل الحياة.

أحييك وأحيي فيك الإخلاص مهما انتقدناك في سالف الأيام.

أحييك أيها الطبيب وانت تبلسم جراح طفل تعثر أصيلالا في ساحة للسوق بها معترك وصدام…
و قد كاد الأسى يسرقه ضحكة ممزوجة بالبراءة و الجمال لولاك .

أحييك وانت تعاسر إيقاف نزيف يهدد حياة شاب باغتته حفرة على طريق الأمل ظلت تتربص بكل عابر دون أن يأخذ حذره من ذلك.

أحييك وأنت تتصنع ابتسامة تأبى إلا أن تكون حزينة عندما تخرج من غرفة العمليات ونسبة الأمل تراها تتضاءل أمام ناظريك بسبب ضعف التجهيزات رغم المهنية والاجتهاد.

أحييك وانت تخرج من عملية قيصرية منحت من خلالها البسمة لأم أعياها فقر الدم، وأجهدها المخاض في أرض لم يعد بها غير أعجاز نخل خاوية، ولا من الأسباب إلاك.

أحييك أيها الهمام الحكيم وانت تشق طريقك نحو المعالي؛ تتغاضى عن زلاتنا وحماقاتنا بصمت بليغ.. تتناول الإبرة والمشرط بكل حرفية ومهنية لتقطع دابر الألم دون تمعر أو سخط.

أحييك بعدد انات من عالجت وبسمات من شفي على يديك وبعدد أقراص الحياة التي وزعت.

أحييك أيها الطبيب الواقف الآن في الصفوف الأمامية محاربا جنديا خفيا لا تخيفه الأنظمة بقدر ما يقتله الانتظام والالتزام بنصائحك وتوصياتك.

أحييك بحجم الرأفة التي تملأ قلبك وبلون ثوبك الناصع وبطعم شكر وعرفان معاوديك.

فلك أرفع القبعة وأضع الكمامة وألوح بكلتا يدي دون تماس شكرا وتحية…

 

موقع موريتانيا الآن

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: