أخبار وطنيةمقالات

في أكجوجت: تخليد الاستقلال مصب للآمال / الأستاذ سيدي محمد ولد حبيب

تستعد بلادنا هذه الأيام لتخليد الذكرى التاسعة والخمسين للاستقلال المجيدة، تسع وخمسون ذكرى وستون احتفاء بهذه الذكرى، يتوجها الثامن والعشرون نوفمبر 2019 المطل علينا الأسبوع القادم، مسار تراكمي قصير بالنسبة لتاريخ الأمم، لكنه طويل بالمقارنة مع أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا زلنا وحتى اليوم في فعاليات الاحتفاء به.
ومهما يكن عمر أي مسار فهناك أسئلة تستحق الطرح دائما: ماذا أنجز خلال هذه الحقب ؟ وماذا احتفظ به منذ التأسيس إلى الآن ؟ وما هي الإنجازات التي قضي عليها رغم ضرورتها لنمو البلد ؟ وبم تتميز الذكرى – التي هي نصب أعيننا اليوم – عن سابقاتها ؟
فعلا، لقد أنجز الكثير بدءا بتأسيس دولة ذات نظام مركزي – بدل البلاد السائبة – تماثل وفي الأحيان تضاهي أغلب الأمم القديمة في نظمها وسيادتها على أراضيها وتموقعها الدبلوماسي حيث ظلت شنقيط قلعة إشعاع حضاري فريد بين الثقافة القرآنية العربية وما تحمله من أبعاد إنسانية وسماوية من جهة، والحضارة الزنجية بتنوعها وثرائها الشفهي (كل شيخ مات، مكتبة تحترق). أما الاسم : ”الجمهورية الإسلامية المورتانية” فلا اسم من دول العالم أجمل منه. كل ذلك وغيره أكثر، بفضل أبناء بررة أسسوا لهذا البلد، وتعاقبوا على الأخذ بزمام أموره لتتالى المنجزات العملاقة فيستمر بعضها ويندثر البعض
ما هي الإنجازات التي تحققت منذ 1960 إلى يومنا هذا وتعاقبت عليها الأيادي وانكسرت أمامها كل جوالب التغيير ؟
سأحاول باختصار مخل استطراد البعض حسب التسلسل الزمني : اسم البلد، الحيز الترابي عام 60، قراءة نص رسائل رئيس الدولة عبر الأثير في نشرة الأخبار، طريق الأمل، روصو – أكجوجت، مقاطعة العدو الصهيوني (رغم نقطة سوداء)، تأميم ميفرما وإنشاء عملة وطنية، تطبيق الشريعة الإسلامية، إلغاء الرق، قانون الإصلاح العقاري، سياسة الصيد، SMCP ضف إلى ذلك قرار إرساء الديمقراطية والولوج إلى الإنترنت وإنشاء اتحادية للنقل وانجاز طريق انوكشوط – نواذيبو واكجوجت – اطار. أما العشرية الأخيرة، فقد تميزت بكثير من الإنجازات في الطرق والمستشفيات والمدارس المهنية والجامعات وإنشاء المدن ومطار نواكشوط.. الخ.
هناك ممارسات هي الأخرى تحدت الزمن عبر اسماء متغيرة حسب الأنظمة لأنها في الواقع ظلت ولا تزال كما بدأت: حزب السلطة والمعارضة. فالأول أحاديا كان كـ (ح.ش.م والهياكل) ام في غطاء تعددي، ظل دائما أداة للقمع و الإقصاء كـPRDS و UPR، فهو يد المستبد التي يهمش ويحرم ويبطش بها. وأما الثاني أي المعارضة، سواء كانت محظورة كما كان الحال من سنة 60 إلى 90 أم مرخصة، ظلت دائما محرومة، مداسة ومهانة.
ومن أهم المنجزات التي ألغيت أدراج الرياح وعبث بممتلكاتها شركات عملاقة: سمار، سونمكس، الخطوط الجوية وتفليس مئات الوحدات الصناعية كالسكر..الخ. أضف إلى ذلك إصلاح التعليم، وكتابة اللغات الوطنية، ومجانية الصحة، وسأستكفي بهذا القدر لأن اللائحة تطول وتتشعب.
لكن كل خسارة يمكن تعويضها “ال دون لعمر مخلوف” الا خسارة الأخلاق: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت… و إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، لقد ورث البلد من العشرينية الأولى مدرسة جمهورية و سلوكيات تنم عن وطنية تتطلع لدولة القانون وضوابط أمة ترنو لإلحاق بركب الأمم المتحضرة. لكن سرعان ما تلاشى كل ذلك منذ بداية التسعينيات، وحلت الرذيلة والتبتيب والصفقات المشبوهة محل المثل الوطنية من عفاف عن المال العمومي واحترام المقدسات الوطنية والتسامي عن الحسابات الضيقة (قبلية، جهوية، فئوية..). خسارة يستحيل تعويضها !
فعسى الله بإطلالة العهد الجديد، عهد رئيس الإجماع الوطني، السيد محمد ولد الغزواني، ان يعينه على استرجاع ما فقدت الأمة من ثوابتها ويبني دولة متقدمة يسودها التآخي والمثل الجمهورية !

  • أكجوجت: 28 نفمبر 2019.

تتميز ذكرى الاستقلال هذه السنة عن سابقاتها بحدث فريد لم يسبق له مماثل في تاريخ البلد، ألا وهو الإجماع الوطني. فكل الأطياف السياسية في وطننا اليوم تستشعر الثقة والاطمئنان وتجمع على تلبية دعوى رئيس الجمهورية، محمد ولد الغزواني لحضور فعاليات هذه الذكرى المجيدة لتتذوق طعم السكينة والثقة المتبادلة، “ريك العافيه احلو”. وقد يتساءل البعض ممن استوطنهم اليأس نتيجة التجارب الماضية وعبثت بهم صروف دهر الخطابات والوعود الكاذبة قائلا: “اعلاش تعكب يشبعت العيد” ؟ إلا أن – ولله الحمد – وجود الشيء يقتضي وجود نقيضه: “ليله فالخير أخير من وحد ماه فيه”. فهذه الذكرى المخلدة في أكجوجت ستبقى مرسومة بأحرف من ذهب في تاريخ وطننا الغالي. إنها ذكرى التآخي والوحدة من أجل التصدي معا لأعداء هذه الأمة من جهل وفقر و تشرذم. فهي تطبيق على أرض الواقع لأحد تصاريح رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية عندما أنهى مداخلته بتكرار ثلاثا: ” ليطمئن الجميع، ليطمئن الحميع، ليطمئن الجميع !“ وليس تواجد الطيف السياسي بشتى أطرافه في مدينة اكجوجت يوم 28 نوفمبر القادم إلا دليلا صادقا على نية الجميع في بلورة مسار جديد تتصالح فيه موريتانيا مع نفسها، وتنهض من جديد من اجل بناء دولة تسودها الثقة المتبادلة بين السلطة والمواطن في العدل و تكافؤ الفرص والإنصاف في تقسيم خيرات البلد. إن اختيار أكجوجت، قلعة المقاومة والإشعاع العلمي، لتخليد هذه الذكرى المجيدة وفي نفس الوقت لانطلاقة المسار الجديد الذي نأمل له التوفيق والنجاح ليكتسي دلالة عميقة تتجسد في تآلف أقطاب سياسية دأبت على التباعد و التنافر… ففي الحضور سيوجد جمع غفير عاش ويلات السجون والحرمان و التنكيل، وظل معارضا يناضل ثلاثين سنة خلت. من بين هؤلاء من لبوا بدون تريث ولا تثريب نداء الإجماع الوطني وساندوا مرشحه، السيد محمد ولد الغزواني، رئيس الجمهورية، ومنهم من تريث ليستغفر الله للجميع بمناسبة ذكرى الاستقلال بأكجوجت والكل يلتقي في نقطتين أساسيتين: الثقة في حسن النوايا والتفاؤل بالمستقبل، وكأن لسان حالهم يرتل “ناضلنا ولا زلنا من أجل الوطن”.
بارك الله فيكِ ولاية إنشيري باستضافتك لهذا الحدث التاريخي الفريد وتيامنا بنزلائك المجاهدين والأولياء والعلماء الصالحين (باركلله، مسكه، آبيه، لمجيدري، آفلواط ول مولود، بلال الولي، محمد ول محمد سالم، محمد ول سيدي محمد، حبيب ولد المكي ومحمد ولد عبد العزيز…)
عيدا سعيدا ومرحبا بكل من وطأت قدماه سهول إينشيري الخضراء وهضابها الذهبية !

 

 

 

 

الوسوم
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: