الأدب السياسي

في متاهات حب مفقود: مباريات “ظامه” اللعينة وطريقها المسدود… ! (حلقة 1)

لا يولي حمَّه عادة اهتماما كبيرا لما يحققه أو يجنيه.. ولا لما يخسره. غير أنه لا يقبل أن يُسرق أو يُغتصب منه بسهولة ما كسبه حتى وإن كان لاماديا ومتواضعا.. خاصة لما يكون هو من صنع مادة تراثه، كاملة، بوسائله الفكرية.. دون غيرها.. بلا عون خارجي أيا كان نوعه.

ولم يكن يوما يتوقع أن ثمرة خياله على بساطتها ستتعرض لقرصنة.. بطلها صديقه سالم.

خلال سفره الأخير إلى منطقة بيريگني صحبة رفيقيه ولد سيدي احمد– تغمده الله برحمته الواسعة، وعبد الله– أطال الله في عمره، فوجئ حمَّه… لكن دهشته لم تكن عظيمة، لما قصَّت عليه ابنة عمه خديجة الحكاية التالية، نقلا عن صديقه المذكور آنفا.. قائلة:

– “ذات مرة حدثنا سالم– انا وجلساء آخرين؛  فقال:

“كنا شبانا ثلاثة أصدقاء: أنا وحمَّه وسيدي. تعودنا على أن نتجول ونمرح على شواطئ نواكشوط أو على المشارف الشرقية للمدينة. في ذلك النهار.. الوقت كان في آخر الظهيرة من يوم الأحد.. والجو معتدل : لا حرارة شديدة تضايقنا.. ولا بردا ولا رياحا يعكران من صفونا أو يعيقان نزهتنا.

جلسنا خارج المدينة نتبادل أطراف الحديث على قمة ربوة رملية صغيرة نظيفة تقع مائتي متر أو أكثر شمال الطريق المؤدية إلى بوتلميت، في  منطقة خالية آنذاك من السكان والبنيان خلافا لما هي عليه اليوم منذ أن اصبحت تعرف بإسم ” حي بوحديدة“. وفي ذلك المكان والجو المريحين وبعد فترة قصيرة، اقترح علينا سيدي أن نجري مباريات في لعبة ” ظامه” وأن يكون هو ضمن المتنافسيْن الأوليْن. بينما رد عليه حمَّه بأن نتسابق في العدو وأن يكون ميدان السباق أكثر الكثبان الرملية المجاورة ارتفاعا، مبينا أنه ينبغي أن نتسلقه وننزل منه مرتين متتاليتين ذهابا وإيابا. اما أنا فتبنَّيت الاقتراحين- وهما مثلي – بعدما وَفقتُ بينهما، عندما أضفتُ أنه ينبغي أن نبدأ بالعدو .. وأن الفائزيْن الأوليْن في السباق هما من يبدءان لعب “ظامه” على أن يحل الثالث مكان المهزوم..  وكنت من بين العداءين الأوليْن .

ثم وزعنا المهام بيننا، حسب ما تقتضيه متطلبات المباريات الثانية: تكلف سيدي ب“خط ظامه”- أي: رسم 40 خطا مستقيما متقاطعة  على التراب : منها خمسة خطوط أفقية وخمسة عمودية و 14 خطا مائلا إضافة إلى 10 خطوط أفقية وعمودية وهمية لا ترسم؛ وأسندت مهمة جمع العيدان إلى حمَّه ؛ بينما  تحملت أنا بتوفير بعر الإبل أو ما يقوم مقامه، مثل المحار..

ولحسن الحظ  عثرت بسرعة لم أكن أتوقعها فعلا على عشر “بعرات” على بعد بضع أمتار من موقعنا. مما دفعني إلى التخلي عن المحار. وخلال بحثي عن  الثلاثين “بعرة” الباقية، صرت أوسع من دائرة البحث تدريجيا حتى أدى بي المطاف إلى صف طويل من الأنابيب الكبيرة والكثيرة قد وضعها الصينيون، واحدا تلو الآخر، في ذلك المكان في انتظار تركيبها بعضها مع بعضٍ وربطها بالشبكة التي تمد العاصمة بالماء انطلاقا من بحيرة إدينيالواقعة على مسافة 50 كم تقريبا شرق نواكشوط.

 وقد لفت انتباهي وجود “بعرات” جديدة العهد: لم تجف بعدُ.. وهي متناثرة في مدخل أحد الأنابيب. فأخذتها. غير أنني لاحظت أن بداخل الأنبوب أكثر مما في فتحته. مددت يدي حتى ابعد ما يمكن وجمعت منها أيضا.. مستغربا كيف وصل براز الإبل إلى هذه الدرجة من العمق داخل الأنبوب. دفع بي الفضول إلى أن أدخلت رأسي في الأسطوانة المفتوحة الطرفين وانبطحت.ثم تحركت متقدما تارة على ركبتي وتارة على بطني دون أن أدري بالضبط لماذا أكلف نفسي هذا الجهد المتعب ولا إلى أين أسير.

 ولم أفتأ أتساءل وأفكر في الموضوع حتى تناهت إلى مسامعي أصوات استغربتها عند أول وهلة قبل ان أتبين فورا أنها مألوفة شيئا ما لدي. تأكدتُ تدريجيا من طبيعتها ونوعها: حنين حوار ورزيم ناقة يتضحان ويشتدان شيئا فشيئا كلما زحفتُ أو حبوت متقدما إلى الأمام داخل الأنبوب.

(يتواصل)

البخاري محمد مؤمل ( اليعقوبي)

الرابط هنا

مقالات ذات صلة

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: